وَالتَّدْبِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَقَدْ ثَبَتَ بِهِ بَعْضُ آثَارِ الْحُرِّيَّةِ. وَقَوْلُهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَوْلُهُمَا وَعِنْدَهُ يُرَدُّ بِكُلِّ الثَّمَنِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي فَصْلِ الْمَوْتِ.
قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وُلِدَ عِنْدَهُ وَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ فَهُوَ ابْنُهُ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ) لِأَنَّ الْبَيْعَ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ، وَمَا لَهُ مِنْ حَقِّ
أَئِمَّتِنَا فَيَصِحُّ بِنَاءُ الْجَوَابِ عَلَيْهِ (وَالتَّدْبِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، وَكَذَا الِاسْتِيلَادُ بِمَنْزِلَتِهِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبَا النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ فِي صَدْرِ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ التُّمُرْتَاشِيِّ (لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَقَدْ ثَبَتَ بِهِ بَعْضُ آثَارِ الْحُرِّيَّةِ) وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ النَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ (وَقَوْلُهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَوْلُهُمَا) يَعْنِي أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ قَوْلِهِ: وَقَدْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ فَهُوَ ابْنُهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (وَعِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (يُرَدُّ بِكُلِّ الثَّمَنِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي فَصْلِ الْمَوْتِ) قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَمَّا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْإِمَامُ قَاضِي خَانْ وَالْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يُرَدُّ بِمَا يَخُصُّ الْوَلَدَ مِنْ الثَّمَنِ لَا بِكُلِّ الثَّمَنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا. بِخِلَافِ فَصْلِ الْمَوْتِ.
وَذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ فِي الْإِعْتَاقِ كَذَّبَ الْقَاضِي الْبَائِعَ فِيمَا زَعَمَ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ حِينَ جَعَلَهَا مُعْتَقَةَ الْمُشْتَرِي أَوْ مُدَبَّرَتَهُ فَلَمْ يَبْقَ لِزَعْمِهِ عِبْرَةٌ. وَأَمَّا فِي فَصْلِ الْمَوْتِ فَبِمَوْتِهَا لَمْ يَجِدْ الْحُكْمَ بِخِلَافِ مَا زَعَمَ الْبَائِعُ فَبَقِيَ زَعْمُهُ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّهِ فَرَدَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَحَّحَهُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا قِيمَةَ لَهَا، وَلَكِنْ قَالُوا: إنَّهُ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ الْأُصُولِ، وَكَيْفَ يَسْتَرِدُّ كُلَّ الثَّمَنِ وَالْبَيْعُ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْجَارِيَةِ وَلِهَذَا لَمْ يَبْطُلْ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لِلْوَلَدِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ لِحُدُوثِهِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَلَا حِصَّةَ لِلْوَلَدِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْقَبْضِ. قُلْنَا: الْوَلَدُ إنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَهُوَ حَادِثٌ قَبْلَ الْقَبْضِ لِثُبُوتِ عُلُوقِهِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَلِهَذَا كَانَ لِلْبَائِعِ سَبِيلٌ مِنْ فَسْخِ هَذَا الْبَيْعِ بِالدَّعْوَةِ وَإِنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَلَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا اسْتَهْلَكَهُ الْبَائِعُ وَقَدْ اسْتَهْلَكَهُ هَاهُنَا بِالدَّعْوَةِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ.
(قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وُلِدَ عِنْدَهُ) أَيْ كَانَ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ (وَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي) أَيْ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي (مِنْ آخَرَ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ فَهُوَ ابْنُهُ) أَيْ الْوَلَدُ ابْنُ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ (وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ) أَيْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي (لِأَنَّ الْبَيْعَ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَمَالَهُ) أَيْ وَمَا لِلْبَائِعِ (مِنْ حَقِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute