فُلَانٍ الْغَائِبِ ثُمَّ قَالَ: هُوَ ابْنِي لَمْ يَكُنْ ابْنَهُ أَبَدًا وَإِنْ جَحَدَ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَا: إذَا جَحَدَ الْعَبْدُ فَهُوَ ابْنُ الْمَوْلَى) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ: هُوَ ابْنُ فُلَانٍ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ. لَهُمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ ارْتَدَّ بِرَدِّ الْعَبْدِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ الْإِقْرَارُ، وَالْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَالْهَزْلُ
فُلَانٍ الْغَائِبِ ثُمَّ قَالَ: هُوَ ابْنِي لَمْ يَكُنْ ابْنَهُ) أَيْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الصَّبِيُّ ابْنَ ذَلِكَ الرَّجُلِ (أَبَدًا) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: يَعْنِي سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْعَبْدُ الْغَائِبُ أَوْ كَذَّبَهُ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ تَصْدِيقٌ وَلَا تَكْذِيبٌ. وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: يَعْنِي وَإِنْ جَحَدَ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ هُوَ ابْنَهُ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى اسْتِدْرَاكُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَإِنْ جَحَدَ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ) سِيَّمَا عَلَى مَا قَالَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّأْكِيدِ تَقْرِيرًا لِكَوْنِ الْمَعْنَى هَذَا لَكِنَّ فِيهِ مَا فِيهِ، وَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ إلَى كَوْنِ الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ ابْنَهُ أَبَدًا: أَيْ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لَا حَالًا وَلَا مُسْتَقْبَلًا حَيْثُ قَالَ فِي تَقْرِيرِ الْمَسْأَلَتَيْنِ: وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَرَّ أَنَّهُ ابْنُ عَبْدِهِ فُلَانٍ أَوْ ابْنُ فُلَانٍ الْغَائِبِ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لَا حَالًا وَلَا مُسْتَقْبَلًا انْتَهَى.
أَقُولُ: الْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ هَاهُنَا هَذَا الْمَعْنَى لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا انْدِفَاعُ الِاسْتِدْرَاكِ الْمَذْكُورِ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَثَانِيهَا أَنَّ الْأَبَدَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى يَكُونُ عَلَى أَصْلِ مَعْنَاهُ وَهُوَ عُمُومُ الْأَوْقَاتِ وَعَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ يَصِيرُ مَصْرُوفًا عَنْهُ إلَى عُمُومِ الْأَحْوَالِ كَمَا تَرَى. وَثَالِثُهَا أَنَّهُ يَظْهَرُ حِينَئِذٍ فَائِدَةُ تَقْيِيدِ فُلَانٍ بِالْغَائِبِ فِي وَضْعِ مَسْأَلَتِنَا دُونَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْمُقَرَّ لَهُ الْحَاضِرَ وَالْغَائِبَ سِيَّانِ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ: أَعْنِي التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ وَالسُّكُوتَ عَنْهُمَا، إذْ يُتَصَوَّرُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ فِي وَقْتٍ مَا فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّقْيِيدِ بِالْغَائِبِ عَلَى إرَادَةِ عُمُومِ الْأَحْوَالِ.
وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى: أَعْنِي الْحَالَ وَالْأَوْقَاتَ الْمُسْتَقْبَلَةَ فَهُمَا: أَيْ الْمُقَرُّ لَهُ الْحَاضِرُ وَالْغَائِبُ مُتَفَاوِتَانِ حَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ الْجُحُودُ مِنْ الْغَائِبِ فِي حَالٍ لِعَدَمِ عِلْمِهِ فِيهَا مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُقِرُّ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْهُ فِي الِاسْتِقْبَالِ بِأَنْ يَعْلَمَهُ بَعْدَ أَنْ يَحْضُرَ، بِخِلَافِ الْحَاضِرِ فَإِنَّهُ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْجُحُودُ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَهُمَا، فَاحْتَمَلَ فِي حَقِّ الْغَائِبِ اخْتِصَاصُ الْحُكْمِ بِعَدَمِ كَوْنِ الصَّبِيِّ ابْنَ الْمُقِرِّ بِوَقْتٍ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْجُحُودُ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ وَهُوَ الْحَالُ وَلَمْ يَحْتَمِلْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ، فَلَوْ أَطْلَقَ فُلَانًا وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْغَائِبِ عَلَى إرَادَةِ عُمُومِ الْأَوْقَاتِ لَتَبَادَرَ إلَى الْفَهْمِ كَوْنُ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ عِنْدَ كَوْنِ الْمُقَرِّ لَهُ حَاضِرًا فَقَطْ، وَلَمَّا قَيَّدْنَا بِالْغَائِبِ عُلِمَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ عِنْدَ كَوْنِ الْمُقَرِّ لَهُ غَائِبًا عِبَارَةً، وَثُبُوتُهُ عِنْدَ كَوْنِهِ حَاضِرًا أَيْضًا دَلَالَةً؛ فَظَهَرَ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالْغَائِبِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِهَذَا الْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ فِي يَدِهِ، وَذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَقَعَ اتِّفَاقًا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى إطْلَاقِهِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀. وَفِي الْمَبْسُوطِ لَكِنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ الْمَوْلَى، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (وَقَالَا: إذَا جَحَدَ الْعَبْدُ فَهُوَ) أَيْ الصَّبِيُّ (ابْنُ الْمَوْلَى) يَعْنِي ادَّعَى الْمَوْلَى لِنَفْسِهِ بَعْدَ جُحُودِ الْعَبْدِ نِسْبَةً كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ) أَيْ إذَا قَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ الصَّبِيُّ: (هُوَ ابْنُ فُلَانٍ وُلِدَ عَلَى فَرَاشِهِ ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْمَبْسُوطِ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ تَفْرِيعًا، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (لَهُمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ) أَيْ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ وَهُوَ قَوْلُهُ هُوَ ابْنُ عَبْدِي فُلَانٍ الْغَائِبِ (ارْتَدَّ بِرَدِّ الْعَبْدِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ الْإِقْرَارُ) أَيْ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ لِأَحَدٍ وَادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ (وَالْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ) أَيْ وَإِنْ كَانَ النَّسَبُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ (أَلَا يُرَى أَنَّهُ) أَيْ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ (يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَالْهَزْلُ) حَتَّى لَوْ أُكْرِهَ بِبُنُوَّةِ عَبْدٍ فَأَقَرَّ بِهَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ، وَكَذَا لَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute