فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِإِعْتَاقِ الْمُشْتَرَى فَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ ثُمَّ قَالَ أَنَا أَعْتَقْتُهُ يَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَدَّقَهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ نَسَبًا ثَابِتًا مِنْ الْغَيْرِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى اعْتِبَارِ تَصْدِيقِهِ فَيَصِيرُ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُلَاعِنِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّسَبَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَالْإِقْرَارُ بِمِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَبَقِيَ فَتَمْتَنِعُ دَعْوَتُهُ، كَمَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِنَسَبِ صَغِيرٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِتُهْمَةٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى اعْتِبَارِ تَصْدِيقِهِ، حَتَّى لَوْ صَدَّقَهُ بَعْدَ التَّكْذِيبِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ،
أَقَرَّ بِهَا هَازِلًا (فَصَارَ) أَيْ فَصَارَ حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (كَمَا إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِإِعْتَاقِ الْمُشْتَرَى) بِفَتْحِ الرَّاءِ (فَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ ثُمَّ قَالَ) أَيْ الْمُشْتَرِي: (أَنَا أَعْتَقْتُهُ يَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ إلَيْهِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ إلَى الْمُشْتَرِي وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ أَصْلًا (بِخِلَافِ مَا إذَا صَدَّقَهُ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا صَدَّقَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ فِي مَسْأَلَتِنَا حَيْثُ لَا يَصِحُّ فِيهِ دَعْوَةُ الْمَوْلَى بِالِاتِّفَاقِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُقِرَّ (يَدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ تَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ إيَّاهُ (نَسَبًا ثَابِتًا مِنْ الْغَيْرِ) وَهُوَ لَا يَصِحُّ (وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ) بَلْ سَكَتَ عَنْ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ فِيهِ أَيْضًا دَعْوَةُ الْمَوْلَى بِالِاتِّفَاقِ (لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ) أَيْ بِالصَّبِيِّ (حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى اعْتِبَارِ تَصْدِيقِهِ) أَيْ عَلَى اعْتِبَارِ احْتِمَالِ تَصْدِيقِهِ (فَيَصِيرُ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُلَاعِنِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ) يَعْنِي أَنَّ الِاحْتِمَالَ جَانَبَ التَّصْدِيقَ تَأْثِيرًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ.
كَمَا أَنَّ الِاحْتِمَالَ جَانَبَ التَّكْذِيبَ تَأْثِيرًا فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّسَبَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ) وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ (وَالْإِقْرَارُ بِمِثْلِهِ) أَيْ بِمِثْلِ مَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ (لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ) يَعْنِي وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْإِقْرَارُ بِهِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ: أَيْ لَا يَبْطُلُ بِالتَّكْذِيبِ، كَمَنْ أَقَرَّ بِهِ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ إنْسَانٍ وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى لَا يَبْطُلُ إقْرَارُهُ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ يُعْتَقُ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ وَذَكَرَ فِي الشُّرُوحِ (فَبَقِيَ) أَيْ فَبَقِيَ الْإِقْرَارُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ، كَذَا فِي الْكِفَايَةِ وَشَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ (فَتَمْتَنِعُ دَعْوَتُهُ) أَيْ فَتَمْتَنِعُ دَعْوَةُ الْمُقِرِّ بَعْدَ الرَّدِّ أَيْضًا (كَمَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِنَسَبِ صَغِيرٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِتُهْمَةٍ) كَالْعِتْقِ وَالْقَرَابَةِ (ثُمَّ ادَّعَاهُ) أَيْ ثُمَّ ادَّعَاهُ الشَّاهِدُ (لِنَفْسِهِ) حَيْثُ لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ فَخْرَ الْإِسْلَامِ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِنَسَبِ صَغِيرٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ بِعُذْرٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ الشَّاهِدُ لَمْ تَصِحَّ انْتَهَى.
فَاقْتَفَى الْمُصَنِّفُ أَثَرَهُ فَأَوْرَدَهَا هَاهُنَا كَذَلِكَ. وَأَمَّا شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهَا أَيْضًا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا شَهِدَ أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ فَلَمْ تُقْبَلْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا انْتَهَى (وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَالْإِقْرَارُ بِمِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ (لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ) أَيْ بِالنَّسَبِ (حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى اعْتِبَارِ تَصْدِيقِهِ، حَتَّى لَوْ صَدَّقَهُ بَعْدَ التَّكْذِيبِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute