(وَلَوْ كَانَتْ دَعْوَتُهُمَا دَعْوَةَ الْبُنُوَّةِ فَالْمُسْلِمُ أَوْلَى) تَرْجِيحًا لِلْإِسْلَامِ وَهُوَ أَوْفَرُ النَّظَرَيْنِ.
قَالَ (وَإِذَا ادَّعَتْ امْرَأَةٌ صَبِيًّا أَنَّهُ ابْنُهَا لَمْ تَجُزْ دَعْوَاهَا حَتَّى تَشْهَدَ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ ذَاتَ زَوْجٍ لِأَنَّهَا تَدَّعِي تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَلَا تُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ،
مِنْهُ حُرًّا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ لَا ثُبُوتُ نَسَبِهِ مِنْهُ عَبْدًا لِلْآخَرِ وَإِلَّا لَلَزِمَ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلَيْهِمَا وَالْحُكْمُ لَهُمَا مَعًا، بَلْ لَا يُتَصَوَّرُ النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا رَأْسًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ بَيْنَ دَعْوَى الرِّقِّ وَبَيْنَ دَعْوَى النَّسَبِ عَلَى الْحُرِّيَّةِ تَعَارُضًا بَيِّنًا فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. ثُمَّ إنَّ فِي تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ مَانِعًا آخَرَ عَنْ الْحَمْلِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: لِأَنَّ نَظَرَ الصَّبِيِّ فِي هَذَا أَوْفَرُ إلَخْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى قَوْلِهِ وَلَا تَعَارَضَ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ مُرَادِهِ بِوَجْهِ عَدَمِ التَّعَارُضِ هَذَا الْمَعْنَى، فَكَأَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي تَنَبَّهَ لِهَذَا حَيْثُ غَيَّرَ تَحْرِيرَ الْمُصَنِّفِ فَقَالَ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ عَلَى وَجْهِ التَّنْوِيرِ، أَلَا يَرَى أَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْإِسْلَامِ وَاجِبٌ فِي النَّسَبِ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ وَنَظَرُ الصَّبِيِّ فِي هَذَا أَوْفَرُ إلَخْ. أَمَّا صَاحِبُ الْكِفَايَةِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى شَرْحِهِ الْمَذْكُورِ شَيْئًا آخَرَ فَكَأَنَّهُ غَافِلٌ بِالْكُلِّيَّةِ.
وَأَمَّا تَاجُ الشَّرِيعَةِ فَقَدْ تَنَبَّهَ لِهَذَا وَتَدَارَكَهُ حَيْثُ قَالَ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: لِأَنَّ نَظَرَ الصَّبِيِّ فِي هَذَا أَوْفَرُ دَلِيلًا عَلَى قَوْلِهِ فَهُوَ ابْنُ النَّصْرَانِيِّ لَا دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ الْمُعَارَضَةِ، وَقَالَ: كَذَا سَمِعْته مِنْ الْإِمَامِ الْأُسْتَاذِ انْتَهَى. لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ ذَكَرَ الدَّلِيلَ عَلَى قَوْلِهِ فَهُوَ ابْنُ النَّصْرَانِيِّ وَهُوَ حُرٌّ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مُرَجِّحٌ فَيَسْتَدْعِي تَعَارُضًا وَلَا تَعَارُضَ، فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ لِأَنَّ نَظَرَ الصَّبِيِّ إلَخْ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا لَكَانَ دَلِيلًا ثَانِيًا فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُذْكَرَ بِالْوَاوِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الثَّانِي عَلَى تَعْلِيلِ الْمُعَلَّلِ فَتَأَمَّلْ (وَلَوْ كَانَتْ دَعْوَتُهُمَا) أَيْ دَعْوَةُ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ (دَعْوَةَ الْبُنُوَّةِ فَالْمُسْلِمُ أَوْلَى تَرْجِيحًا لِلْإِسْلَامِ وَهُوَ أَوْفَرُ النَّظَرَيْنِ) أَيْ لِلصَّبِيِّ. وَنُوقِضَ هَذَا بِغُلَامٍ نَصْرَانِيٍّ بَالِغٍ ادَّعَى عَلَى نَصْرَانِيٍّ وَنَصْرَانِيَّةٍ أَنَّهُ ابْنُهُمَا وَادَّعَاهُ مُسْلِمٌ وَمُسْلِمَةٌ أَنَّهُ ابْنُهُمَا وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ بَيِّنَةً فَقَدْ تَسَاوَتْ الدَّعْوَتَانِ مَعَ أَنَّ بَيِّنَةَ الْغُلَامِ أَوْلَى وَلَمْ يَتَرَجَّحْ جَانِبُ الْإِسْلَامِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ بِفِرَاشِ النِّكَاحِ لَكِنْ تَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ الْغُلَامِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ يُثْبِتُ حَقًّا لِنَفْسِهِ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْمَنْفَعَةِ فِي النَّسَبِ لِلْوَلَدِ دُونَ الْوَالِدَيْنِ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُعَيَّرُ بِعَدَمِ الْأَبِ الْمَعْرُوفِ وَالْوَالِدَانِ لَا يُعَيَّرَانِ بِعَدَمِ الْوَلَدِ، وَبَيِّنَةُ مَنْ يُثْبِتُ حَقًّا لِنَفْسِهِ أَوْلَى، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ الْإِسْلَامِ فِي التَّرْجِيحِ لَا مَحَالَةَ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ تَقَوَّى بِقَوْلِهِ ﷺ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» لِأَنَّهُ أَشْبَهُ الْمُدَّعِيَيْنِ لِكَوْنِهِ يَدَّعِي حَقًّا لِنَفْسِهِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ تَقَوَّى هَذَا بِذَلِكَ النَّصِّ فَقَدْ تَقَوَّى رُجْحَانُ الْإِسْلَامِ بِأَلْفِ نَصٍّ، مِنْهَا قَوْلُهُ ﷺ: «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى».
(قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَإِذَا ادَّعَتْ امْرَأَةٌ صَبِيًّا أَنَّهُ ابْنُهَا لَمْ تَجُزْ دَعْوَتُهَا حَتَّى تَشْهَدَ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ: اقْتِفَاءُ أَثَرِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ فِي تَقْيِيدِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ ذَاتَ زَوْجٍ) وَادَّعَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ هَذَا الزَّوْجِ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ ذَلِكَ (لِأَنَّهَا تَدَّعِي تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ) وَهُوَ الزَّوْجُ (فَلَا تُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ) يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ تَقْصِدُ إلْزَامَ النَّسَبِ عَلَى الزَّوْجِ وَالْإِلْزَامُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْحُجَّةِ، وَسَبَبُ لُزُومِ النَّسَبِ وَإِنْ كَانَ قَائِمًا وَهُوَ النِّكَاحُ لَكِنَّ الْحَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الْوِلَادَةِ وَالنِّكَاحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute