للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَزَعَمَتْ أَنَّهُ ابْنُهُمَا مِنْهُ وَصَدَّقَهَا فَهُوَ ابْنُهُمَا وَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ امْرَأَةٌ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ نَسَبَهُ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ الْحُجَّةِ.

(وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي أَيْدِيهِمَا وَزَعَمَ الزَّوْجُ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ غَيْرِهَا وَزَعَمَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ ابْنُهُمَا) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُمَا لِقِيَامِ أَيْدِيهِمَا أَوْ لِقِيَامِ الْفِرَاشِ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُرِيدُ إبْطَالَ حَقِّ صَاحِبِهِ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَهُوَ نَظِيرُ ثَوْبٍ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ غَيْرِ صَاحِبِهِ يَكُونُ الثَّوْبُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ هُنَاكَ يَدْخُلُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ لِأَنَّ الْمَحَلَّ يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ، وَهَاهُنَا لَا يَدْخُلُ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُهَا.

إثْبَاتُ النَّسَبِ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِشَيْءٍ لَمْ يُعَايِنْهُ بِالسَّمَاعِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فِي مَوَاضِعَ عَدِيدَةٍ: مِنْهَا النَّسَبُ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ادِّعَاءِ الرَّجُلِ وَلَدًا أَنَّهُ ابْنُهُ وَثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهُ ثُبُوتُ وُقُوعِ الْإِعْلَاقِ وَالْإِحْبَالِ مِنْهُ أَلْبَتَّةَ، وَإِلَّا لَمَا تَيَسَّرَ إثْبَاتُ دَعْوَةِ الْبُنُوَّةِ مِنْ الرَّجُلِ أَصْلًا: أَيْ وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ مُنَازِعٌ شَرْعِيٌّ، إذْ لَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُ الْإِعْلَاقِ وَالْإِحْبَالِ قَطْعًا، مَعَ أَنَّ مَسَائِلَ التَّنَازُعِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فِي بُنُوَّةِ وَلَدٍ وَإِثْبَاتِهَا شَرْعًا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، فَظَهَرَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ادِّعَاءِ الرَّجُلِ بُنُوَّةَ وَلَدٍ ثُبُوتُ نَسَبِهِ مِنْهُ دُونَ ثُبُوتِ وُقُوعِ الْإِعْلَاقِ وَالْإِحْبَالِ مِنْهُ، فَلَمَّا أَمْكَنَهُ إثْبَاتُ نَسَبِهِ مِنْهُ لَزِمَهُ أَيْضًا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ فِي وَجْهِ الْفَرْقِ فَلَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ لِلْفَرْقِ الْمَزْبُورِ مِمَّا لَا يُجْدِي فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمُدَّعِي مِمَّا يُمْكِنُ لِلْمُدَّعِي إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ إنَّمَا يَقْتَضِي احْتِيَاجَ الْمُدَّعِي إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ إذَا وُجِدَ هُنَاكَ مَنْ يُكَذِّبُهُ وَيُنْكِرُ مَا ادَّعَاهُ كَمَا فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلْبَيَانِ وَمَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي مَسْأَلَتِنَا وَإِنْ كَانَ مَا يُمْكِنُهَا إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ كَمَا بَيَّنَ إلَّا أَنَّهُ مِمَّا لَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُكَذِّبُهَا بِأَنْ لَمْ تَكُنْ مَنْكُوحَةً وَلَا مُعْتَدَّةً، وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ: لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامًا عَلَى نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا انْتَهَى.

فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْقَوْلُ بِاحْتِيَاجِهَا إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَتَدَبَّرْ (وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَزَعَمَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْهُ) أَيْ ادَّعَتْ أَنَّ الْوَلَدَ ابْنُهَا مِنْ ذَلِكَ الزَّوْجِ (وَصَدَّقَهَا) أَيْ وَصَدَّقَ (الزَّوْجُ) إيَّاهَا (فَهُوَ ابْنُهُمَا وَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ امْرَأَةٌ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ: يَعْنِي لَا حَاجَةَ هَاهُنَا إلَى شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الزَّوْجَ (الْتَزَمَ نَسَبَهُ) أَيْ نَسَبَ الْوَلَدِ (فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ الْحُجَّةِ) لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِ الزَّوْجِ بِلَا دَعْوَى امْرَأَةٍ إذْ لَيْسَ فِيهِ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، وَمَعَ دَعْوَى امْرَأَةٍ أَوْلَى، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.

(وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي أَيْدِيهِمَا) أَيْ فِي أَيْدِي الزَّوْجَيْنِ (فَزَعَمَ الزَّوْجُ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ غَيْرِهَا) أَيْ زَعَمَ الزَّوْجُ أَنَّ الصَّبِيَّ ابْنُهُ مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى لَهُ (وَزَعَمَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ وَزَعَمَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ زَوْجٍ آخَرَ كَانَ لَهَا (فَهُوَ ابْنُهُمَا) أَيْ كَانَ الصَّبِيُّ ابْنَهُمَا مَعًا هَذَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ أَيُّهُمَا صَدَّقَ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ بِتَصْدِيقِهِ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ وَعَزَاهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْكِتَابِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَيْضًا.

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهَا (لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الزَّوْجَيْنِ الَّذِينَ كَانَ الْوَلَدُ فِي أَيْدِيهِمَا (لِقِيَامِ أَيْدِيهِمَا أَوْ لِقِيَامِ الْفِرَاشِ بَيْنَهُمَا) أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ قِيَامَ الْفِرَاشِ بَيْنَهُمَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ بَعْدَ تَعْيِينِ الْوَلَدِ: أَيْ بَعْدَ ثُبُوتِ وِلَادَتِهِ مِنْ تِلْكَ الزَّوْجَةِ، وَلِهَذَا لَمْ تَجُزْ دَعْوَةُ امْرَأَةٍ ذَاتِ زَوْجٍ صَبِيًّا أَنَّهُ ابْنُهَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهَا الزَّوْجُ مَا لَمْ تَشْهَدْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ كَمَا مَرَّ آنِفًا، فَفِي مَسْأَلَتِنَا أَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْ (ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الزَّوْجَيْنِ (يُرِيدُ إبْطَالَ حَقِّ صَاحِبِهِ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى صَاحِبِهِ: يَعْنِي لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ (وَهُوَ نَظِيرُ ثَوْبٍ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ غَيْرِ صَاحِبِهِ) حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي إبْطَالِ حَقِّ صَاحِبِهِ (بَلْ يَكُونُ الثَّوْبُ بَيْنَهُمَا) فَكَذَا هُنَا (إلَّا أَنَّ هُنَاكَ يَدْخُلُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ) أَيْ يَصِيرُ مَا حَصَلَ لِلْمُقِرِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُقَرِّ لَهُ نِصْفَانِ (لِأَنَّ الْمَحَلَّ) وَهُوَ الثَّوْبُ (يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ، وَهُنَا لَا يَدْخُلُ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُهَا) اعْلَمْ أَنَّ الْمُنَاقَضَةَ فِي دَعْوَى النَّسَبِ غَيْرُ مَانِعَةٍ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى، حَتَّى أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>