للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا عِنْدَهُ فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ غَرِمَ الْأَبُ قِيمَةَ الْوَلَدِ يَوْمَ يُخَاصِمُ) لِأَنَّهُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ فَإِنَّ الْمَغْرُورَ مَنْ يَطَأُ امْرَأَةً مُعْتَمِدًا عَلَى مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ نِكَاحٍ فَتَلِدُ مِنْهُ ثُمَّ تُسْتَحَقُّ، وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ،

الصَّبِيَّ إذَا كَانَ فِي يَدِ امْرَأَةٍ فَقَالَ رَجُلٌ: هُوَ ابْنِي مِنْكِ مِنْ زِنًا وَقَالَتْ: مِنْ نِكَاحٍ ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ: مِنْ نِكَاحٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: هُوَ ابْنِي مِنْ نِكَاحٍ مِنْكِ وَقَالَتْ: هُوَ ابْنُك مِنِّي مِنْ زِنًا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ لِعَدَمِ اتِّفَاقِهِمَا فِي النِّكَاحِ، فَإِنْ قَالَتْ بَعْدَ ذَلِكَ: هُوَ ابْنُك مِنِّي مِنْ نِكَاحٍ يَثْبُتُ لِمَا قُلْنَا: إنَّ الْمُنَاقَضَةَ لَا تُبْطِلُ دَعْوَى النَّسَبِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ.

وَذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ أَنَّ دَعْوَى النَّسَبِ إنَّمَا لَا تَبْطُلُ بِالتَّنَاقُضِ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ وَلَا مُسَاوَاةَ، فَإِنَّ دَعْوَى النَّسَبِ أَقْوَى مِنْ النَّفْيِ.

وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا: إذَا تَصَادَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزِّنَا مِنْ فُلَانٍ فَالنَّسَبُ ثَابِتٌ مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ النَّسَبِ قَائِمٌ وَهُوَ الْفِرَاشُ وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ حَقًّا لِلصَّبِيِّ فَلَا يُقْبَلُ تَصَادُقُهُمَا عَلَى إبْطَالِ النَّسَبِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ أَمَةً أَوْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَدْ وُجِدَ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. أَقُولُ: الَّذِي نُقِلَ عَنْ الْإِيضَاحِ أَوَّلًا مِنْ تَعْلِيلِ عَدَمِ بُطْلَانِ دَعْوَى النَّسَبِ بِالتَّنَاقُضِ مَحَلُّ نَظَرٍ مَنْعًا وَنَقْضًا فَتَأَمَّلْ.

(قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ: (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا عِنْدَهُ) يَعْنِي وَلَدَتْ وَلَدًا مِنْ الْمُشْتَرِي (فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ غَرِمَ الْأَبُ قِيمَةَ الْوَلَدِ يَوْمَ يُخَاصِمُ) وَكَذَا إذَا مَلَكَهَا بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ الشِّرَاءِ أَيِّ سَبَبٍ كَانَ، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ لَهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَسَيُفْهَمُ مِنْ نَفْسِ الْكِتَابِ (لِأَنَّهُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ، فَإِنَّ الْمَغْرُورَ مَنْ يَطَأُ امْرَأَةً مُعْتَمِدًا عَلَى مِلْكِ يَمِينٍ) بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ مِثْلُ الشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ، كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهَا (أَوْ نِكَاحٍ) عَطْفٌ عَلَى يَمِينٍ.

وَالْمَعْنَى أَوْ مُعْتَمِدًا عَلَى مِلْكِ نِكَاحٍ (فَتَلِدُ مِنْهُ) أَيْ تَلِدُ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ يَطَؤُهَا (ثُمَّ تُسْتَحَقُّ) بِأَنْ يَظْهَرَ بِالْبَيِّنَةِ كَوْنُهَا أَمَةً، هُنَا تَمَّ تَفْسِيرُ وَلَدِ الْمَغْرُورِ

(وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ) فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّ وَلَدَ الْمَغْرُورِ حُرُّ الْأَصْلِ، وَلَا خِلَافَ أَيْضًا بَيْنَ السَّلَفِ أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْأَبِ إلَّا أَنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِهِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: يُفَكُّ الْغُلَامُ بِالْغُلَامِ وَالْجَارِيَةُ بِالْجَارِيَةِ: يَعْنِي إنْ كَانَ الْوَلَدُ غُلَامًا فَعَلَى الْأَبِ غُلَامٌ مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَعَلَيْهِ جَارِيَةٌ مِثْلُهَا.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: عَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَلَدِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُنَا لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ. وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: يُفَكُّ الْغُلَامُ بِقِيمَةِ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةُ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ اخْتِلَافَ السَّلَفِ فِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ، وَقَوْلَ عُمَرَ بِضَمَانِ مِثْلِهِ دُونَ قِيمَتِهِ يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ وَلَدَ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، فَكَيْفَ يَصْلُحُ مَا ذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ لَأَنْ يَكُونَ شَرْحًا وَبَيَانًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ؟ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنْ يُقَالَ: إنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِهِ اخْتِلَافٌ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ دُونَ الْحَقِيقَةِ بِنَاءً عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِحَدِيثِ عُمَرَ : يُفَكُّ الْغُلَامُ بِقِيمَةِ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةُ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ.

فَحَاصِلُ الشَّرْحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>