للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاجِبٌ فَيُجْعَلُ الْوَلَدُ حُرَّ الْأَصْلِ فِي حَقِّ أَبِيهِ رَقِيقًا فِي حَقِّ مُدَّعِيهِ نَظَرًا لَهُمَا، ثُمَّ الْوَلَدُ حَاصِلٌ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ إلَّا بِالْمَنْعِ كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ، فَلِهَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْوَلَدِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ لِأَنَّهُ يَوْمُ الْمَنْعِ (وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ لَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ) لِانْعِدَامِ الْمَنْعِ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَ مَالًا لِأَنَّ الْإِرْثَ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْهُ، وَالْمَالُ لِأَبِيهِ لِأَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ فِي حَقِّهِ فَيَرِثُهُ (وَلَوْ قَتَلَهُ الْأَبُ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ) لِوُجُودِ الْمَنْعِ وَكَذَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ فَأَخَذَ دِيَتَهُ،

وَالْبَيَانُ هَاهُنَا أَنَّ السَّلَفَ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِهِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ إلَّا أَنَّ الْخِلَافَ مُرْتَفِعٌ فِي الْحَقِيقَةِ بِتَأْوِيلِ كَلَامِ عُمَرَ تَبْيِينُ مَرَامِهِ عَلَى وَفْقِ مَا يَقْتَضِيهِ النَّصُّ الدَّالُ عَلَى أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ (وَلِأَنَّ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاجِبٌ) إذْ الْمَغْرُورُ بَنَى أَمْرَهُ عَلَى سَبِيلٍ صَحِيحٍ فِي الشَّرْعِ فَاسْتَوْجَبَ النَّظَرَ، وَالْأَمَةُ مِلْكُ الْمُسْتَحِقِّ وَالْوَلَدُ مُتَفَرِّعٌ عَنْ مِلْكِهِ فَاسْتَوْجَبَ النَّظَرَ أَيْضًا فَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَ حَقَّيْهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَذَا بِأَنْ يَحْيَى حَقُّ الْمُسْتَحِقِّ فِي مَعْنَى الْمَمْلُوكِ وَيَحْيَى حَقُّ الْمَغْرُورِ فِي صُورَتِهِ، كَذَا فِي الْكَافِي (فَيُجْعَلُ الْوَلَدُ حُرَّ الْأَصْلِ فِي حَقِّ أَبِيهِ رَقِيقًا فِي حَقِّ مُدَّعِيهِ نَظَرًا لَهُمَا) وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا (ثُمَّ الْوَلَدُ حَاصِلٌ فِي يَدِهِ) أَيْ فِي يَدِ الْمَغْرُورِ (مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (فَلَا يَضْمَنُهُ إلَّا بِالْمَنْعِ كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ) فَإِنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ عِنْدَنَا لَا يَضْمَنُهُ الْغَاصِبُ إلَّا بِالْمَنْعِ (فَلِهَذَا) أَيْ فَلِأَنَّ الْمَغْرُورَ لَا يَضْمَنُ الْوَلَدَ إلَّا بِالْمَنْعِ (تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْوَلَدِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ لِأَنَّهُ يَوْمُ الْمَنْعِ) وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْوَلَدِ يَوْمَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُعَلَّقُ فِي حَقِّ الْمُسْتَوْلِدِ حُرًّا وَيُعَلَّقُ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ رَقِيقًا فَلَا يَتَحَوَّلُ حَقُّهُ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْبَدَلِ إلَّا بِالْقَضَاءِ فَيَعْتَبِرُ قِيمَةَ الْوَلَدِ يَوْمَ الْقَضَاءِ كَذَلِكَ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ.

ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ وَلَدَ الْمَغْرُورِ إنَّمَا يَكُونُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ إذَا كَانَ الْمَغْرُورُ حُرًّا، أَمَّا إذَا كَانَ مُكَاتَبًا أَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التَّزَوُّجِ يَكُونُ وَلَدُهُ عَبْدًا لِلْمُسْتَحِقِّ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَسَيَجِيءُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ) يَعْنِي لَوْ مَاتَ وَلَدُ الْمَغْرُورِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ (لَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ) أَيْ لَيْسَ عَلَى الْأَبِ شَيْءٌ مِنْ قِيمَتِهِ (لِانْعِدَامِ الْمَنْعِ) إذْ الْمَنْعُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ الطَّلَبِ، فَإِذَا هَلَكَ قَبْلَ الطَّلَبِ لَمْ يُوجَدْ سَبَبُ ضَمَانِهِ فَلَا يَضْمَنُ، كَمَا لَوْ هَلَكَ وَلَدُ الْمَغْصُوبَةِ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ، كَذَا فِي الْكَافِي (وَكَذَا لَوْ تَرَكَ مَالًا) أَيْ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ وَلَدُ الْمَغْرُورِ مَالًا مِيرَاثًا لِأَبِيهِ فَأَخَذَهُ أَبُوهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَمْ يَتَحَقَّقْ، لَا عَنْ الْوَلَدِ لِمَا مَرَّ وَلَا عَنْ بَدَلِهِ (لِأَنَّ الْإِرْثَ لَيْسَ بِبَدَلِهِ عَنْهُ) فَلَمْ يَجْعَلْ سَلَامَةَ الْإِرْثِ كَسَلَامَةِ نَفْسِهِ (وَالْمَالُ لِأَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَلَدَ (حُرُّ الْأَصْلِ فِي حَقِّهِ) أَيْ فِي حَقِّ أَبِيهِ كَمَا مَرَّ (فَيَرِثُهُ) فَإِنْ قِيلَ: الْوَلَدُ وَإِنْ كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ فِي حَقِّ أَبِيهِ إلَّا أَنَّهُ رَقِيقٌ فِي حَقِّ مُدَّعِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ.

قُلْنَا: الْوَلَدُ عَلِقَ حُرَّ الْأَصْلِ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي أَيْضًا، وَلِهَذَا لَا يَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُ. وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا الرِّقَّ فِي حَقِّهِ ضَرُورَةَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَعْدُو مَوْضِعَهَا، كَذَا فِي الشُّرُوحِ وَالْكَافِي. أَقُولُ: يُنَافِي هَذَا الْجَوَابُ ظَاهِرَ مَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ عَلَى مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا فَلْيَتَأَمَّلْ فِي التَّوْفِيقِ أَوْ التَّرْجِيحِ (وَلَوْ قَتَلَهُ الْأَبُ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ) أَيْ يَضْمَنُهَا (لِوُجُودِ الْمَنْعِ) بِالْقَتْلِ (وَكَذَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>