لِأَنَّ سَلَامَةَ بَدَلِهِ لَهُ كَسَلَامَتِهِ، وَمَنْعَ بَدَلِهِ كَمَنْعِهِ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ كَمَا إذَا كَانَ حَيًّا (وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى بَائِعِهِ) لِأَنَّهُ ضَمِنَ لَهُ سَلَامَتَهُ كَمَا يَرْجِعُ بِثَمَنِهِ، بِخِلَافِ الْعُقْرِ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ لِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِهَا فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
فَأَخَذَ دِيَتَهُ) أَيْ فَأَخَذَ الْأَبُ دِيَتَهُ (لِأَنَّ سَلَامَةَ بَدَلِهِ لَهُ) أَيْ لِأَنَّ سَلَامَةَ بَدَلِ الْوَلَدِ وَهُوَ دِيَتُهُ لِلْأَبِ (كَسَلَامَتِهِ) أَيْ كَسَلَامَةِ الْوَلَدِ نَفْسِهِ (وَمَنْعَ بَدَلِهِ كَمَنْعِهِ) أَيْ وَمَنْعَ بَدَلِ الْوَلَدِ كَمَنْعِ الْوَلَدِ نَفْسِهِ (فَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ كَمَا إذَا كَانَ حَيًّا) وَأَمَّا إذَا لَمْ يَأْخُذْ الْأَبُ دِيَتَهُ مِنْ الْقَاتِلِ فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ الْوَلَدَ أَصْلًا: أَيْ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، نَصَّ عَلَيْهِ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.
وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ: فَإِنْ قَضَى لَهُ بِالدِّيَةِ فَلَمْ يَقْبِضْهَا لَمْ يُؤْخَذْ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيمَا لَمْ يَصِلْ إلَى يَدِهِ مِنْ الْبَدَلِ، فَإِنْ قَبَضَ مِنْ الدِّيَةِ قَدْرَ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ قَضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ لِلْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ تَحَقَّقَ بِوُصُولِ يَدِهِ إلَى الْبَدَلِ فَيَكُونُ مَنْعُهُ قَدْرَ قِيمَةِ الْوَلَدِ كَمَنْعِهِ الْوَلَدَ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ (وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى بَائِعِهِ) أَيْ وَيَرْجِعُ الْأَبُ بِمَا غَرِمَ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى بَائِعِهِ لِأَنَّهُ أَيْ بَائِعَهُ (ضَمِنَ لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي (سَلَامَتَهُ) أَيْ سَلَامَةَ الْمَبِيعِ عَنْ الْعَيْبِ وَلَا عَيْبَ فَوْقَ الِاسْتِحْقَاقِ، كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَيُسَاعِدُهُ تَقْرِيرُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ.
أَقُولُ: يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا الشَّرْحِ أَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ الْبَائِعَ ضَامِنٌ لِلْمُشْتَرِي سَلَامَةَ الْمَبِيعِ عَنْ الْعَيْبِ، إلَّا أَنَّ الْمَبِيعَ فِي مَسْأَلَتِنَا هِيَ الْأُمُّ دُونَ الْوَلَدِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ، فَكَأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الشُّرَّاحِ قَصَدُوا دَفْعَ هَذَا فَقَالُوا فِي بَيَانِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: لِأَنَّهُ ضَمِنَ لَهُ سَلَامَتَهُ: يَعْنِي أَنَّ الْوَلَدَ جُزْءُ الْأُمِّ وَالْبَائِعُ قَدْ ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي سَلَامَةَ الْمَبِيعِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ انْتَهَى.
أَقُولُ: وَيَرُدُّ عَلَى هَذَا الشَّرْحِ أَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي سَلَامَةَ الْمَبِيعِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ لَا بِجُزْئِهِ الَّذِي يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْجُزْءِ مَعْدُومٌ حِينَ الْبَيْعِ وَلَا يَصِحُّ إدْخَالُ الْمَعْدُومِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ ضَمَانِ سَلَامَتِهِ عَنْ الْعَيْبِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَلَدَ فِي مَسْأَلَتِنَا مِمَّنْ حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ. وَالْحَقُّ عِنْدِي فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنْ يُطْرَحَ حَدِيثُ الْجُزْئِيَّةِ مِنْ الْبَيِّنِ وَيُقَالُ فِي بَيَانِ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ: إنَّ الْبَائِعَ ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي سَلَامَةَ الْوَلَدِ بِوَاسِطَةِ ضَمَانِهِ سَلَامَةَ الْمَبِيعِ الَّذِي هُوَ الْأُمُّ عَنْ الْعَيْبِ، فَإِنَّ كَوْنَ وَلَدِ الْجَارِيَةِ غَيْرَ سَالِمٍ عَنْ عَيْبِ الِاسْتِحْقَاقِ عَيْبٌ لِنَفْسِ الْجَارِيَةِ أَيْضًا لِأَنَّ مِنْ مَنَافِعِهَا الِاسْتِيلَادَ وَكَوْنَ وَلَدِهَا مِنْ مَوْلَاهَا حُرَّ الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ أَحَدٌ فَكَانَتْ سَلَامَتُهَا عَنْ الْعَيْبِ مُسْتَلْزِمَةً لِسَلَامَةِ وَلَدِهَا فَضَمَانُ الْبَائِعِ سَلَامَتَهَا ضَمَانٌ لِسَلَامَتِهِ (كَمَا يَرْجِعُ بِثَمَنِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: أَيْ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَدَّاهُ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ فَالضَّمِيرُ لِلْمُشْتَرِي.
وَقِيلَ بِثَمَنِ الْمُشْتَرِي إذَا اسْتَحَقَّ أَوْ بِثَمَنِ الْوَلَدِ لَوْ تُصُوِّرَ شِرَاؤُهُ وَاسْتَحَقَّهُ أَحَدٌ انْتَهَى. وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ الْمَعْنَى الْوَسْطَانِيَّ حَيْثُ قَالَ: كَمَا يَرْجِعُ بِثَمَنِهِ: أَيْ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ وَهُوَ الْأُمُّ لِأَنَّ الْغُرُورَ شَمَلَهَا انْتَهَى.
وَأَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْوَجِيهُ هَاهُنَا، وَلَكِنْ فِي تَذْكِيرِ الضَّمِيرِ هَاهُنَا نَوْعُ عُدُولٍ عَنْ الظَّاهِرِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَغَيْرِهَا: وَرَجَعَ بِهَا كَثَمَنِهَا بِتَأْنِيثِ الضَّمِيرِ: أَيْ وَرَجَعَ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ كَثَمَنِ الْأُمِّ (بِخِلَافِ الْعُقْرِ) يَعْنِي أَنَّ الْمَغْرُورَ لَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِعُقْرٍ وَجَبَ عَلَيْهِ وَأَخَذَ مِنْهُ الْمُسْتَحِقُّ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الْعُقْرَ (لَزِمَهُ) أَيْ لَزِمَ الْمَغْرُورَ (لِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِهَا) أَيْ لِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الْجَارِيَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ: أَيْ مَنَافِعِ بُضْعِهَا (فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ) إذْ لَوْ رَجَعَ بِهِ سَلَّمَ لَهُ الْمُسْتَوْفَى مَجَّانًا، وَالْوَطْءُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ لِلْوَاطِئِ مَجَّانًا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute