مَجْهُولًا كَانَ مَا أَقَرَّ بِهِ أَوْ مَعْلُومًا) اعْلَمْ أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ، وَأَنَّهُ مُلْزِمٌ لِوُقُوعِهِ دَلَالَةً؛ أَلَا تَرَى كَيْفَ أَلْزَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَاعِزًا ﵁ الرَّجْمَ بِإِقْرَارِهِ وَتِلْكَ الْمَرْأَةَ بِاعْتِرَافِهَا. وَهُوَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ لِقُصُورِ وِلَايَةِ الْمُقِرِّ عَنْ غَيْرِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ.
وَشَرْطُ الْحُرِّيَّةِ لِيَصِحَّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا، فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُلْحَقًا بِالْحُرِّ فِي حَقِّ الْإِقْرَارِ،
مَجْهُولًا كَانَ مَا أَقَرَّ بِهِ أَوْ مَعْلُومًا) هَذَا أَيْضًا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ: يَعْنِي لَا فَرْقَ فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَلُزُومِهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَا أَقَرَّ بِهِ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (اعْلَمْ أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ) أَرَادَ بِهَذَا، التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ فِيمَا مَضَى لَا إنْشَاءُ الْحَقِّ ابْتِدَاءً لِئَلَّا يَرِدَ الْإِشْكَالُ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِخَمْرٍ لِلْمُسْلِمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى كَوْنِ الْإِقْرَارِ إخْبَارًا عَمَّا ثَبَتَ فِيمَا مَضَى لَا إنْشَاءً فِي الْحَالِ كَمَا بَيَّنَّاهَا فِيمَا مَرَّ، وَلَمْ يَرُدَّ بِذَلِكَ تَعْرِيفَ الْإِقْرَارِ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ أَيْضًا فَلَمْ يَكُنْ مَانِعًا عَنْ دُخُولِ الْأَغْيَارِ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ (وَأَنَّهُ مُلْزِمٌ) أَيْ وَأَنَّ الْإِقْرَارَ عَلَى الْمُقِرِّ مَا أَقَرَّ (بِهِ لِوُقُوعِهِ) أَيْ لِوُقُوعِ الْإِقْرَارِ (دَلَالَةً) أَيْ دَلِيلًا عَلَى وُجُودِ الْمُخْبَرِ بِهِ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَنَوْعٌ مِنْ الْمَعْقُولِ عَلَى مَا فَصَّلْنَاهُ فِيمَا مَرَّ.
وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ ﵀ إلَى بَعْضٍ مِنْهَا بِقَوْلِهِ (أَلَا تَرَى كَيْفَ أَلْزَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَاعِزًا الرَّجْمَ بِإِقْرَارِهِ) أَيْ بِإِقْرَارِهِ بِالزِّنَا (وَتِلْكَ الْمَرْأَةَ) أَيْ وَكَيْفَ أَلْزَمَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ وَهِيَ الْغَامِدِيَّةُ الرَّجْمَ (بِاعْتِرَافِهَا) أَيْ بِاعْتِرَافِهَا بِالزِّنَا أَيْضًا، فَإِذَا كَانَ مُلْزِمًا فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَلَأَنْ يَكُونَ مُلْزِمًا فِي غَيْرِهِ أَوْلَى كَذَا قَالُوا. أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَى ظَاهِرِهِ مَنْعُ إطْلَاقِ هَذِهِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي فَكَانَ مُلْزَمًا فِي حَقِّهِ مَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ دُونَ غَيْرِهِ فَتَأَمَّلْ فِي الدَّفْعِ (وَهُوَ) أَيْ الْإِقْرَارُ (حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ) أَيْ قَاصِرَةٌ عَلَى نَفْسِ الْمُقِرِّ غَيْرُ مُتَعَدِّيَةٍ إلَى الْغَيْرِ (لِقُصُورِ وِلَايَةِ الْمُقِرِّ عَنْ غَيْرِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُقِرِّ نَفْسِهِ، حَتَّى لَوْ أَقَرَّ مَجْهُولُ الْأَصْلِ بِالرِّقِّ لِرَجُلٍ جَازَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلَمْ يَصْدُقْ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَمُدَبَّرِيهِ وَمُكَاتَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ أَوْ اسْتِحْقَاقُ الْحُرِّيَّةِ لِهَؤُلَاءِ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ، بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ حُجَّةً بِالْقَضَاءِ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَتَتَعَدَّى إلَى الْكُلِّ، أَمَّا الْإِقْرَارُ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَضَاءِ فَيُنَفَّذُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ وَحْدَهُ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا لَا يُنَافِي مَا ذَكَرُوا أَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ فَوْقَ الشَّهَادَةِ بِنَاءً عَلَى انْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقُوَّةَ وَالضَّعْفَ وَرَاءَ التَّعْدِيَةِ وَالِاقْتِصَارِ، فَاتِّصَافُ الْإِقْرَارِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى نَفْسِ الْمُقِرِّ وَالشَّهَادَةِ بِالتَّعَدِّيَةِ إلَى الْغَيْرِ لَا يُنَافِي اتِّصَافَهُ بِالْقُوَّةِ، وَاتِّصَافَهَا بِالضَّعْفِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ بِنَاءً عَلَى انْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فِيهِ دُونَهَا (وَشَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لِيَصِحَّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا) أَيْ فِي الْمَالِ وَغَيْرِهِ (فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُلْحَقًا بِالْحُرِّ فِي حَقِّ الْإِقْرَارِ) حَتَّى إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute