للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَهُ أَنَّ الْعَشَرَةَ أَقْصَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ، يُقَالُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ثُمَّ يُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَيَكُونُ هُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ (وَلَوْ قَالَ دَرَاهِمُ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ) لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ

مِنْ الْأَمَاكِنِ الْبَعِيدَةِ فَكَانَ نَاقِصًا مِنْ حَيْثُ الْكَثْرَةُ حُكْمًا فَلَمْ يَتِمَّ الْمَطْلُوبُ تَأَمَّلْ (وَلَهُ) أَيْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ (أَنَّ الْعَشَرَةَ أَقْصَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ) أَيْ عِنْدَ كَوْنِهِ مُمَيِّزًا لِلْعَدَدِ (يُقَالُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ثُمَّ يُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا) يَعْنِي أَنَّ الْعَدَدَ إذَا جَاوَزَ الْعَشَرَةَ يَصِيرُ مُمَيَّزُهُ مُفْرَدًا لَا جَمْعًا (فَيَكُونُ) أَيْ الْعَشَرَةُ (هُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ (فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ) لِأَنَّ الْعَمَلَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ إذَا كَانَ مُمْكِنًا وَلَمْ يُوجَدْ مَانِعٌ مِنْ الصَّرْفِ إلَيْهِ لَا يُعْدَلُ إلَى غَيْرِهِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ.

لَا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ فِيمَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالْعَشَرَةِ لِأَنَّهُ كَثِيرٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَمَّا ذَكَرَ الْكَثْرَةَ صَارَ كَذِكْرِ الْجِنْسِ فَيَسْتَغْرِقُ اللَّفْظَ مَا يَصْلُحُ لَهُ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. أَقُولُ: بَقِيَ هَاهُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ الْعَشَرَةِ أَقْصَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ اقْتِرَانِ اسْمِ الْجَمْعِ بِالْعَدَدِ بِأَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا لَهُ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ آنِفًا، لَا عِنْدَ انْفِرَادِهِ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِجَمْعِ الْكَثْرَةِ حَالَ الِانْفِرَادِ مَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْعَارِفِ بِاللُّغَةِ، وَمَسْأَلَتُنَا مَفْرُوضَةٌ فِي حَالِ انْفِرَادِ الدَّرَاهِمِ عَنْ ذِكْرِ الْعَدَدِ، فَمَا مَعْنَى اعْتِبَارِ حُكْمٍ خَالٍ الِاقْتِرَانُ فِيهَا أَلْبَتَّةَ؟ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ جَمْعَ الْكَثْرَةِ أَقَلُّهُ عَشَرَةٌ.

أَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ جَمْعَ الْكَثْرَةِ أَقَلُّهُ أَحَدَ عَشَرَ لَا عَشَرَةٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ. قَالَ الْفَاضِلُ الرَّضِيُّ: قَالُوا مُطْلَقُ الْجَمْعِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: قِلَّةٌ، وَكَثْرَةٌ؛ وَالْمُرَادُ بِالْقَلِيلِ مِنْ الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ وَالْحَدَّانِ دَاخِلَانِ وَبِالْكَثِيرِ مَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ انْتَهَى.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ عِلَّةُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَوْنَ أَقَلِّ جَمْعِ الْكَثْرَةِ عَشَرَةً لَزِمَ أَنْ لَا يُصَدَّقَ أَيْضًا عِنْدَهُ فِي أَقَلِّ مِنْ عَشَرَةٍ فِيمَا إذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ بِدُونِ ذِكْرِ وَصْفِ الْكَثْرَةِ مَعَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ هُنَاكَ فِي ثَلَاثَةٍ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا سَيَأْتِي. وَالْأَوْلَى فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكَثْرَةَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ غَيْرُ مَذْكُورَةٍ نَصًّا، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ ضَرُورَةَ أَنْ لَا تَصِيرَ صِفَةُ الْكَثْرَةِ لَغْوًا فَإِنَّ الْعَمَلَ بِهَا بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ وَالْعُرْفِ مُتَعَذِّرٌ، وَمَا ثَبَتَ مُقْتَضَى صِحَّةِ الْغَيْرِ يُثْبِتُ أَدْنَى مَا يَصِحُّ بِهِ الْغَيْرُ، وَأَدْنَى مَا يُثْبِتُ بِهِ الْكَثْرَةَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَإِنَّ الْقَطْعَ مُتَعَلِّقٌ شَرْعًا بِالْكَثِيرِ مِنْ الْمَالِ لَا بِالْقَلِيلِ عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْطَعُ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ»، ثُمَّ اعْتَبَرَ النِّصَابَ فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَاسْتِبَاحَةِ الْبُضْعِ عَشَرَةً فَيَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ انْتَهَى.

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ: وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ قَوْلِهِ: دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: مَالٌ عَظِيمٌ أَنَّ قَوْلَهُ: دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ يُفِيدُ الْعَدَدَ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ تَكُونُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ، فَاعْتَبَرَ الْكَثْرَةَ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى الْعَدَدِ وَقَوْلَهُ: مَالٌ عَظِيمٌ لَا يَتَضَمَّنُ عَدَدًا فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُسْتَعْظَمِ لَا مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ، وَالْعَظِيمُ فِي الشَّرْعِ مَا يَصِيرُ بِهِ غَنِيًّا فَيَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ فَاعْتَبِرْ ذَلِكَ (وَلَوْ قَالَ: دَرَاهِمُ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ: يَعْنِي لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ وَجَبَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ بِالِاتِّفَاقِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ (لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ) يَعْنِي أَنَّ الدَّرَاهِمَ جَمْعٌ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ ثَلَاثَةٌ فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ لِكَوْنِهِ مُتَيَقَّنًا. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَفْظُ الصَّحِيحِ فِي قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ صِفَةَ الْجَمْعِ كَمَا هُوَ مُتَبَادِرٌ مِنْ ظَاهِرِ التَّرْكِيبِ.

يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَيْسَ بِجَمْعٍ صَحِيحٍ بَلْ هُوَ جَمْعٌ مُكَسَّرٌ فَلَمْ يُطَابِقْ الدَّلِيلَ الْمُدَّعَى، وَإِنْ كَانَ صِفَةً لِأَقَلَّ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ صَاحِبِ الْكَافِي لِأَنَّهُ أَدْنَى الْجَمْعِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا خِلَافَ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُثَنَّى يُتَّجَهُ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>