للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَكْثَرَ مِنْهَا) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَزْنِ الْمُعْتَادِ (وَلَوْ قَالَ: كَذَا كَذَا دِرْهَمًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا) لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ وَأَقَلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمُفَسَّرِ أَحَدَ عَشَرَ (وَلَوْ قَالَ: كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ) لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمُفَسَّرِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فَيُحْمَلُ كُلُّ وَجْهٍ عَلَى نَظِيرِهِ

أَنَّ كَوْنَ أَقَلِّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةً إنَّمَا هُوَ فِي جَمْعِ الْقِلَّةِ دُونَ جَمْعِ الْكَثْرَةِ، فَإِنَّ أَقَلَّ جَمْعِ الْكَثْرَةِ أَحَدَ عَشَرَ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ آنِفًا وَالدَّرَاهِمُ جَمْعُ كَثْرَةٍ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ النَّحْوِ أَنَّ جَمِيعَ أَمْثِلَةِ الْجَمْعِ الْمُكَسَّرِ جَمْعُ كَثْرَةٍ سِوَى الْأَمْثِلَةِ الْأَرْبَعَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَهِيَ أَفْعَلُ وَأَفْعَالُ وَأَفْعِلَةُ وَفَعَلَةُ عِنْدَ الْكُلِّ، وَسِوَى فَعَلَةٍ كَأَكَلَةٍ عِنْدَ الْفَرَّاءِ، وَسِوَى أَفْعِلَاءٍ كَأَصْدِقَاءٍ فِي نَقْلِ التَّبْرِيزِيِّ، وَلَفْظُ الدَّرَاهِمِ لَيْسَ مِنْ أَحَدِ هَاتِيك الْأَمْثِلَةِ فَكَانَ جَمْعَ كَثْرَةٍ قَطْعًا فَلَمْ يَتِمَّ الْمَطْلُوبُ. ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِوَجْهَيْنِ عَلَى اخْتِيَارِ الشِّقِّ الثَّانِي مِنْ التَّرْدِيدِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْفَاضِلَ الرَّضِيَّ صَرَّحَ بِأَنَّ كُلَّ جَمْعِ تَكْسِيرٍ لِلرُّبَاعِيِّ الْأَصْلِ حُرُوفُهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الدَّرَاهِمَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، فَلَمَّا اشْتَرَكَ بَيْنَ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ كَانَ أَقَلُّهُ الْمُتَيَقَّنُ هُوَ الثَّلَاثَةَ فَتَمَّ الْمَطْلُوبُ.

وَالثَّانِي أَنَّ الْمُحَقِّقَ التَّفْتَازَانِيَّ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ فِي أَوَائِلِ مَبَاحِثِ أَلْفَاظِ الْعَامِّ بِصَدَدِ تَحْقِيقِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ وَأَئِمَّةِ اللُّغَةِ مِنْ أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ. وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا فِي هَذَا الْمَقَامِ بَيْنَ جَمْعَيْ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، فَدَلَّ بِظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هِيَ فِي جَانِبِ الزِّيَادَةِ: يَعْنِي أَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ مُخْتَصٌّ بِالْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا، وَجَمْعَ الْكَثْرَةِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ لَا أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِمَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ، وَهَذَا أَوْفَقُ بِالِاسْتِعْمَالَاتِ وَإِنْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ كَثِيرٌ مِنْ الثِّقَاتِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَدَارُ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا هُوَ الْأَوْفَقُ بِالِاسْتِعْمَالَاتِ وَتَقْرِيرَاتِ أَهْلِ الْأُصُولِ مِنْ كَوْنِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ جَمْعَيْ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ فِي جَانِبِ الزِّيَادَةِ لَا فِي جَانِبِ النُّقْصَانِ فَتَدَبَّرْ (إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَكْثَرَ مِنْهَا) هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ: يَعْنِي إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ الْمُقِرُّ أَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ مَا بَيَّنَهُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ: (لِأَنَّ اللَّفْظَ) أَيْ لَفْظَ الْجَمْعِ (يَحْتَمِلُهُ) أَيْ يَحْتَمِلُ الْأَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ لِكَوْنِهِ عَلَيْهِ لَا لَهُ (وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَزْنِ الْمُعْتَادِ) أَيْ إلَى الْوَزْنِ الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ غَالِبُ نَقْدِ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ الْأَلْفَاظِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ كَمَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُرِيدُ الرُّجُوعَ عَمَّا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ. قَالَ فِي التُّحْفَةِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مُتَعَارَفٌ يُحْمَلُ عَلَى وَزْنِ سَبْعَةٍ فَإِنَّهُ الْوَزْنُ الْمُعْتَبَرُ فِي الشَّرْعِ، وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي الْعِنَايَةِ. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ فِي بَلَدٍ يَتَعَامَلُونَ فِيهِ بِدَرَاهِمَ وَزْنُهَا يَنْقُصُ عَنْ وَزْنِ سَبْعٍ يَقَعُ إقْرَارُهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَزْنِ لِانْصِرَافِ مُطْلَقِ الْكَلَامِ إلَى الْمُتَعَارَفِ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى وَزْنًا أَقَلَّ مِنْ وَزْنِ بَلَدِهِ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ يَكُونُ رُجُوعًا، وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ أَوْزَانٌ مُخْتَلِفَةٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَالِبُ كَمَا فِي نَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ اسْتَوَتْ يُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّ الْأَوْزَانِ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَالزِّيَادَةُ مَشْكُوكٌ فِيهَا فَلَا تَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ انْتَهَى.

أَقُولُ: بَيْنَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي التُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ فِي صُورَةِ التَّسَاوِي تَفَاوُتٌ بَلْ تَخَالُفٌ لَا يَخْفَى (وَلَوْ قَالَ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ أَحَدَ عَشَرً دِرْهَمًا) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ: يَعْنِي لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَلَمْ يُعْتَبَرْ قَوْلُهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُقِرَّ (ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ) أَيْ ذَكَرَ لَفْظَيْنِ هُمَا كِنَايَتَانِ عَنْ الْعَدَدِ الْمُبْهَمِ (لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ وَأَقَلُّ ذَلِكَ) أَيْ أَقَلُّ مَا كَانَ عَدَدَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ (مِنْ الْمُفَسَّرِ) أَيْ مِنْ الْعَدَدِ الْمُفَسَّرِ: أَيْ الْمُصَرَّحِ بِهِ (أَحَدَ عَشَرَ) وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ إلَى تِسْعَةَ عَشَرَ فَيَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ الْمُتَيَقَّنُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ وَالزِّيَادَةُ تَقِفُ عَلَى بَيَانِهِ (وَلَوْ قَالَ: كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ) هَذَا أَيْضًا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ (لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمُفَسَّرِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فَيُحْمَلُ كُلُّ وَجْهٍ عَلَى نَظِيرِهِ) يَعْنِي أَنَّ لَفْظَ كَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الْعَدَدِ، وَالْأَصْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>