للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمُرَادُهُ التَّوْكِيلُ بِالْإِسْلَامِ دُونَ قَبُولِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَبِيعُ طَعَامًا فِي ذِمَّتِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لِغَيْرِهِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ.

مِنْ جَانِبِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ مَعَ أَنَّ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ لَوْ بَاشَرَ بِنَفْسِهِ لِقَبُولِ السَّلَمِ يَجُوزُ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَجِبْ عَنْهُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ عَنْهُ. فَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: فَجَوَابُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَمْلِكَهُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ أَيْضًا لِكَوْنِهِ بَيْعَ الْمَعْدُومِ، إلَّا أَنَّهُ جَوَّزَ ذَلِكَ مِنْ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ رُخْصَةً لَهُ

دَفْعًا

لِحَاجَةِ الْمَفَالِيسِ.

وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ» وَمَا ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ يَقْتَصِرُ فِيهِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ فَلَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُهُ غَيْرَهُ. أَوْ نَقُولُ: جَازَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ

ضَرُورَةَ

دَفْعِ حَاجَةِ الْمَفَالِيسِ. وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، فَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ فِي التَّوْكِيلِ وَلَمْ يَرِدْ نَقْضًا عَلَى الْكُلِّيِّ الَّذِي قَالَهُ الْقُدُورِيُّ؛ لِأَنَّ تَمَلُّكَ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ لِعَارِضِ الضَّرُورَةِ، وَالْعَوَارِضُ لَا تَقْدَحُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ هَذَا مَا سَمَحَ بِهِ خَاطِرِي فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَقَدْ تَبِعَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي كِلَا وَجْهَيْ جَوَابِهِ وَلَكِنَّهُ أَجْمَلَهُمَا. أَقُولُ: فِي كُلِّ أَحَدٍ مِنْهُمَا نَظَرٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاشِرَهُ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ غَيْرَهُ بِلَا خِلَافٍ، مَعَ أَنَّهُ ثَابِتٌ أَيْضًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ.

ثُمَّ إنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَوْرِدَ النَّصِّ مُجَرَّدُ جَوَازِ عَقْدِ السَّلَمِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ، فَجَوَازُ التَّوْكِيلِ فِيهِ عَلَى فَرْضٍ لَا يُنَافِي الِاقْتِصَارَ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، كَمَا أَنَّ جَوَازَهُ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ لَمْ يُنَافِ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ لِأَجْلِ ذَلِكَ. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ مَعَ انْتِقَاضِهِ أَيْضًا بِمِثْلِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ فِي التَّوْكِيلِ أَيْضًا

ضَرُورَةَ

دَفْعِ الْحَاجَةِ سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا أَوْ شَيْخًا فَانِيًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ الثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ مُقَدَّرًا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ التَّوْكِيلِ مِنْ جَانِبِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ أَيْضًا. لَا يُقَالُ: إنَّمَا جَازَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ فِي عَقْدِ السَّلَمِ لِضَرُورَةِ دَفْعِ حَاجَةِ الْمَفَالِيسِ إلَى الثَّمَنِ لَا لِمُطْلَقِ الضَّرُورَةِ. وَاَلَّذِي يَتَحَقَّقُ فِي التَّوْكِيلِ ضَرُورَةُ دَفْعِ حَاجَةِ الْمُوَكِّلِ إلَى الْعَمَلِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: بَلْ يَتَحَقَّقُ فِي التَّوْكِيلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ضَرُورَةُ دَفْعِ حَاجَةِ الْمَفَالِيسِ إلَى الثَّمَنِ أَيْضًا مَعَ زِيَادَةٍ، فَإِنَّ الْمُفْلِسَ الْعَاجِزَ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَوْكِيلِ غَيْرِهِ لِقَبُولِ السَّلَمِ تَشْتَدُّ حَاجَتُهُ إلَى الثَّمَنِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمُرَادُهُ التَّوْكِيلُ بِالْإِسْلَامِ) أَيْ مُرَادُ الْقُدُورِيِّ بِالتَّوْكِيلِ بِعَقْدِ السَّلَمِ التَّوْكِيلُ بِالْإِسْلَامِ، وَهُوَ تَوْكِيلُ رَبِّ السَّلَمِ غَيْرَهُ بِأَنْ يَعْقِدَ عَقْدَ السَّلَمِ، وَلَفْظُ الْإِسْلَامِ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ جَانِبِ رَبِّ السَّلَمِ. يُقَالُ: أَسْلَمَ فِي كَذَا: إذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِالسَّلَمِ (دُونَ قَبُولِ السَّلَمِ) أَيْ لَيْسَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ التَّوْكِيلَ بِقَبُولِ السَّلَمِ وَهُوَ التَّوْكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ: لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِقَبُولِ السَّلَمِ (لَا يَجُوزُ فَإِنَّ الْوَكِيلَ حِينَئِذٍ يَبِيعُ طَعَامًا فِي ذِمَّتِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لِغَيْرِهِ) أَيْ الْمُوَكِّلِ (وَهَذَا لَا يَجُوزُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>