للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقِبَلِي يُنْبِئُ عَنْ الضَّمَانِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْكَفَالَةِ.

(وَلَوْ قَالَ الْمُقِرُّ هُوَ وَدِيعَةٌ وَوَصَلَ صُدِّقَ) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ مَجَازًا حَيْثُ يَكُونُ الْمَضْمُونُ عَلَيْهِ حِفْظَهُ وَالْمَالُ مَحَلَّهُ فَيُصَدَّقُ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا. قَالَ : وَفِي نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ فِي قَوْلِهِ قِبَلِي إنَّهُ إقْرَارٌ بِالْأَمَانَةِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَنْتَظِمُهُمَا حَتَّى صَارَ قَوْلُهُ: لَا حَقَّ لِي قِبَلَ فُلَانٍ إبْرَاءٌ عَنْ الدَّيْنِ وَالْأَمَانَةِ جَمِيعًا، وَالْأَمَانَةُ أَقَلُّهُمَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.

وَالثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ الدَّيْنُ لَا الْعَيْنُ فَصَارَ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ لَا الْعَيْنِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ أَيْضًا نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ: وَأَمَّا وَجْهُ كَوْنِهِ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ فِي قَوْلِهِ لَهُ قِبَلِي فَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَقِبَلِي يُنْبِئُ عَنْ الضَّمَانِ) لِأَنَّ هَذَا عِبَارَةٌ عَنْ اللُّزُومِ، أَلَا يَرَى أَنَّ الصَّكَّ الَّذِي هُوَ حُجَّةُ الدَّيْنِ يُسَمَّى قَبَالَةً وَأَنَّ الْكَفِيلَ يُسَمَّى قَبِيلًا لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ (عَلَى مَا مَرَّ فِي الْكَفَالَةِ) مِنْ أَنَّهُ تَنْعَقِدُ الْكَفَالَةُ بِقَوْلِهِ: أَنَا قَبِيلٌ لِأَنَّ الْقَبِيلَ هُوَ الْكَفِيلُ. أَقُولُ: هَاهُنَا نَظَرٌ، وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ الْقَبِيلِ بِمَعْنَى الْكَفِيلِ، وَتَضْمِينُهُ مَعْنَى الضَّمَانِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَ قِبَلِي مُنْبِئًا عَنْ الضَّمَانِ لِأَنَّ كَلِمَةَ قِبَلِ غَيْرُ كَلِمَةِ الْقَبِيلِ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ مَجِيءُ الْأُولَى بِمَعْنَى الثَّانِيَةِ قَطُّ، بَلْ الَّذِي ذَكَرَهُ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ فِي كُتُبِهِمْ هُوَ أَنَّ قِبَلَ فُلَانٍ بِمَعْنَى عِنْدَهُ، وَأَنَّ قِبَلًا بِمَعْنَى مُقَابَلَةً وَعِيَانًا، وَأَنَّهُ يَجِيءُ قِبَلُ بِمَعْنَى طَاقَةٍ فَإِنَّهُمْ قَالُوا رَأَيْته قِبَلًا: أَيْ مُقَابَلَةً وَعِيَانًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا﴾ أَيْ عِيَانًا وَلِي قِبَلَ فُلَانٍ حَقٌّ أَيْ عِنْدَهُ، وَمَالِي بِهِ قِبَلٌ أَيْ طَاقَةٌ، وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ كَلِمَةِ قِبَلِ فِي مَعْنَى الضَّمَانِ فَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُمْ قَطُّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُتُبَ اللُّغَةِ غَيْرُ مُسَاعِدَةٍ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي هَاتِيك الْمَسْأَلَةِ فَتَأَمَّلْ.

(وَلَوْ قَالَ الْمُقِرُّ) فِي قَوْلِهِ: عَلَيَّ أَوْ قِبَلِي (وَهُوَ وَدِيعَةٌ وَوَصَلَ) أَيْ وَوَصَلَ قَوْلَهُ: عَلَيَّ أَوْ قِبَلِي بِقَوْلِهِ هُوَ وَدِيعَةٌ (صُدِّقَ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ) أَيْ يَحْتَمِلُ مَا قَالَهُ (مَجَازًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَجَازُ (حَيْثُ يَكُونُ الْمَضْمُونُ عَلَيْهِ حِفْظَهُ) أَيْ حِفْظَ الْمُودَعِ، فَإِنَّ الْمُودَعَ مُلْتَزِمٌ حِفْظَ الْوَدِيعَةِ (وَالْمَالُ مَحَلُّهُ) أَيْ مَحَلُّ الْحِفْظِ فَقَدْ ذَكَرَ الْمَحَلَّ وَهُوَ مَالُ الْوَدِيعَةِ وَأَرَادَ الْحَالَ وَهُوَ حِفْظُهُ فَجَازَ مَجَازًا كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: نَهْرٌ جَارٍ لَكِنَّهُ تَغْيِيرٌ عَنْ وَضْعِهِ (فَيُصَدَّقُ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا) لِأَنَّهُ صَارَ بَيَانَ تَغْيِيرٍ، وَبَيَانُ التَّغْيِيرِ يُقْبَلُ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ (قَالَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ (وَفِي نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ) يَعْنِي مُخْتَصَرَ الْقُدُورِيِّ (فِي قَوْلِهِ قِبَلِي) أَيْ وَقَعَ فِي قَوْلِ الْمُقِرِّ قِبَلِي (أَنَّهُ إقْرَارٌ بِالْأَمَانَةِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَنْتَظِمُهُمَا) أَيْ يَنْتَظِمُ الدَّيْنَ وَالْأَمَانَةَ (حَتَّى صَارَ قَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ الْقَائِلِ (لَا حَقَّ لِي قِبَلَ فُلَانٍ إبْرَاءً عَنْ الدَّيْنِ وَالْأَمَانَةِ جَمِيعًا) نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ حَيْثُ قَالَ: إذَا قَالَ: لَا حَقَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ بَرِئَ فُلَانٌ مِمَّا هُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: لَا حَقَّ عِنْدَهُ فَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا أَصْلُهُ الْأَمَانَةُ، وَإِنْ قَالَ لَا حَقَّ لِي قِبَلَ فُلَانٍ بَرِئَ مِمَّا عَلَيْهِ وَمِمَّا عِنْدَهُ لِأَنَّ مَا عِنْدَهُ قِبَلَهُ وَمَا عَلَيْهِ قِبَلَهُ انْتَهَى (وَالْأَمَانَةُ أَقَلُّهُمَا) هَذَا تَتِمَّةُ الدَّلِيلِ: يَعْنِي أَنَّ الْأَمَانَةَ أَقَلُّ الدَّيْنِ وَالْأَمَانَةِ فَيُحْمَلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا الْأَدْنَى الْمُتَيَقَّنَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) أَيْ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ هُوَ الْأَصَحُّ قَالَ فِي الْكَافِي: وَالْأَوَّلُ مَذْكُورٌ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الدُّيُونِ أَغْلَبُ وَأَكْثَرُ فَكَانَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ أَحْرَى وَأَجْدَرَ. وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَالْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ أَصَحُّ، ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَعَلَّلَ بِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الدَّيْنِ أَغْلَبُ وَأَكْثَرُ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى انْتَهَى.

أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يُنْتَقَضُ هَذَا التَّعْلِيلُ بِمَا إذَا قَالَ: لَا حَقَّ لِي قِبَلَ فُلَانٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُحْمَلْ هُنَاكَ عَلَى الدَّيْنِ خَاصَّةً، بَلْ جُعِلَ إبْرَاءً عَنْ الدَّيْنِ وَالْأَمَانَةِ جَمِيعًا بِالِاتِّفَاقِ مَعَ جَرَيَانِ هَذَا التَّعْلِيلِ هُنَاكَ أَيْضًا. ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>