بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: غَصَبْت تَمْرًا مِنْ قَوْصَرَّةٍ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلِانْتِزَاعِ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ بِغَصْبِ الْمَنْزُوعِ.
قَالَ: (وَمَنْ أَقَرَّ بِدَابَّةٍ فِي إصْطَبْلٍ لَزِمَهُ الدَّابَّةُ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْإِصْطَبْلَ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْغَصْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَضْمَنُهُمَا
بِالضَّمِّ، وَالْجَوَالِيقُ بِزِيَادَةِ الْيَاءِ تَسَامُحٌ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ.
وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَا كَانَ الثَّانِي ظَرْفًا لِلْأَوَّلِ وَوِعَاءً لَهُ لَزِمَاهُ نَحْوُ ثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ وَطَعَامٍ فِي سَفِينَةٍ وَحِنْطَةٍ فِي جُوَالِقٍ، وَمَا كَانَ لِلثَّانِي مِمَّا لَا يَكُونُ وِعَاءً لِلْأَوَّلِ نَحْوُ قَوْلِك: غَصَبْت دِرْهَمًا فِي دِرْهَمٍ لَمْ يَلْزَمْ الثَّانِي لِأَنَّهُ غَيْرُ صَالِحٍ لَأَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِمَا أَقَرَّ بِغَصْبِهِ أَوَّلًا فَلَغَا آخِرُ كَلَامِهِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَذُكِرَ فِي الشُّرُوحِ. أَقُولُ: يَرِدُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ النَّقْضُ بِمَا إذَا أَقَرَّ بِدَابَّةٍ فِي إصْطَبْلٍ فَإِنَّ اللَّازِمَ عَلَى الْمُقِرِّ هُنَاكَ هُوَ الدَّابَّةُ خَاصَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَمَا سَيَأْتِي مَعَ أَنَّهُ لَا رَيْبَ فِي أَنَّ الثَّانِيَ فِيهِ صَالِحٌ لَأَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلْأَوَّلِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّخَلُّفِ لِمَانِعٍ، وَقَيْدُ عَدَمِ الْمَانِعِ فِي الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ غَيْرُ لَازِمٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا أَوَّلُ كِتَابِ الْوَكَالَةِ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ غَصَبْت تَمْرًا مِنْ قَوْصَرَّةٍ) يَعْنِي أَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ فِي كَلِمَةِ فِي وَأَمَّا الْحُكْمُ فِي كَلِمَةِ مِنْ فَبِخِلَافِهِ (لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلِانْتِزَاعِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِغَصْبِ الْمَنْزُوعِ) يَعْنِي أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِأَنَّ مَبْدَأَ الْغَصْبِ مِنْ الْقَوْصَرَّةِ وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ الِانْتِزَاعُ، كَذَا فِي الْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَخْذًا مِنْ الْكَافِي. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ، فَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ الِانْتِزَاعُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَوَجْهُهُ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّبْعِيضِ وَالتَّمْيِيزِ فَيَكُونُ الِانْتِزَاعُ لَازِمَهُمَا، لَا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مِنْ مَوْضُوعَةٌ لِلِانْتِزَاعِ انْتَهَى.
أَقُولُ: الْحَقُّ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا مَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ الْفِرْقَةُ الْأُولَى لَا مَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ الْفِرْقَةُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ: غَصَبْت تَمْرًا مِنْ قَوْصَرَّةٍ لَا تَحْتَمِلُ مَعْنَى التَّبْعِيضِ، إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ التَّمْرُ بَعْضَ الْقَوْصَرَّةِ فَكَيْفَ يُفْهَمُ الِانْتِزَاعُ مِنْ التَّبْعِيضِ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ. وَأَمَّا انْفِهَامُ الِانْتِزَاعِ مِنْ التَّبْعِيضِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ كَلِمَةِ مِنْ فِي مَعْنَى التَّبْعِيضِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَلَا يُجْدِي شَيْئًا هَاهُنَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ، بِخِلَافِ مَعْنَى الِابْتِدَاءِ فَإِنَّ كَلِمَةَ مِنْ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ تَحْتَمِلُ الِابْتِدَاءَ قَطْعًا فَيَتِمُّ التَّقْرِيبُ جِدًّا. وَأَمَّا الْحُكْمُ فِي كَلِمَةِ عَلَى نَحْوُ أَنْ يَقُولَ غَصَبْت إكَافًا عَلَى حِمَارٍ فَكَانَ إقْرَارًا بِغَصْبِ الْإِكَافِ خَاصَّةً، وَالْحِمَارُ مَذْكُورٌ لِبَيَانِ مَحَلِّ الْمَغْصُوبِ حِينَ أَخَذَهُ، وَغَصْبُ الشَّيْءِ مِنْ مَحَلٍّ لَا يَكُونُ مُقْتَضِيًا غَصْبَ الْمَحَلِّ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَذُكِرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ.
(قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَمَنْ أَقَرَّ بِدَابَّةٍ فِي إصْطَبْلٍ لَزِمَهُ الدَّابَّةُ خَاصَّةً) إنَّمَا قَالَ لَزِمَهُ الدَّابَّةُ خَاصَّةً وَلَمْ يَقُلْ كَانَ إقْرَارًا بِالدَّابَّةِ خَاصَّةً لِمَا أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إقْرَارٌ بِهِمَا جَمِيعًا، إلَّا أَنَّ اللُّزُومَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي الدَّابَّةِ خَاصَّةً، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (لِأَنَّ الْإِصْطَبْلَ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْغَصْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّ الْغَصْبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ عِنْدَهُمَا، وَالْإِصْطَبْلَ مِمَّا لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْغَصْبِ عِنْدَهُمَا (وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَضْمَنُهُمَا) أَيْ يَضْمَنُ الدَّابَّةَ وَالْإِصْطَبْلَ، لِأَنَّ مُحَمَّدًا ﵀ يَرَى غَصْبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute