(وَكَذَا إذَا قَالَ: مِائَةٌ وَثَوْبَانِ) لِمَا بَيَّنَّا (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ) لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ وَأَعْقَبَهَا تَفْسِيرًا إذْ الْأَثْوَابُ لَمْ تُذْكَرُ بِحَرْفِ الْعَطْفِ فَانْصَرَفَ إلَيْهِمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَاجَةِ إلَى التَّفْسِيرِ فَكَانَتْ كُلُّهَا ثِيَابًا.
قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ لَزِمَهُ التَّمْرُ وَالْقَوْصَرَّةُ) وَفَسَّرَهُ فِي الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ: غَصَبْت تَمْرًا فِي قَوْصَرَّةٍ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَوْصَرَّةَ وِعَاءٌ لَهُ وَظَرْفٌ لَهُ، وَغَصْبُ الشَّيْءِ وَهُوَ مَظْرُوفٌ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الظَّرْفِ فَيَلْزَمَانِهِ وَكَذَا الطَّعَامُ فِي السَّفِينَةِ وَالْحِنْطَةُ فِي الْجَوَالِقِ،
فِي كُلِّ عَدَدٍ بَلْ اكْتَفَوْا بِذِكْرِهِ مَرَّةً فِي بَعْضِ الْأَعْدَادِ رَوْمًا لِلِاخْتِصَارِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُمْ اكْتَفَوْا بِذَلِكَ عَقِيبَ الْعَدَدَيْنِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالِاطِّرَادِ، وَكَذَلِكَ اكْتَفَوْا بِهِ فِي عَدَدٍ وَاحِدٍ أَيْضًا فِيمَا يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُ وَدَوَرَانُهُ فِي الْكَلَامِ كَمَا نَحْنُ فِيهِ.
نَعَمْ الْأَوْلَى هَاهُنَا أَنْ يَطْرَحَ مِنْ الْبَيِّنِ حَدِيثَ الذِّكْرِ عَقِيبَ الْعَدَدَيْنِ، وَيُقَرِّرَ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ عَلَى طُرُزِ مَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَدِرْهَمٌ بَيَانٌ لِلْمِائَةِ عَادَةً لِأَنَّ النَّاسَ اسْتَثْقَلُوا تَكْرَارَ الدِّرْهَمِ وَنَحْوَهُ وَاكْتَفَوْا بِذِكْرِهِ مَرَّةً، وَهَذَا فِيمَا يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُ، وَذَا عِنْدَ كَثْرَةِ الْوُجُوبِ بِكَثْرَةِ أَسْبَابِهِ وَدَوَرَانِهِ فِي الْكَلَامِ، وَذَا فِيمَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَالْأَثْمَانِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، بِخِلَافِ الثِّيَابِ وَمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَإِنَّهُ لَا يَكْثُرُ وُجُوبُهَا وَثُبُوتُهَا فِي الذِّمَّةِ فَبَقِيَتْ عَلَى الْأَصْلِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀ فِي قَوْلِهِ مِائَةٌ وَثَوْبٌ أَنَّ الْكُلَّ مِنْ الثِّيَابِ وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: مِائَةٌ وَشَاةٌ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الثِّيَابَ وَالْغَنَمَ تُقَسَّمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً، بِخِلَافِ الْعَبِيدِ فَإِنَّهَا لَا تُقَسَّمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً، وَمَا يُقَسَّمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً يَتَحَقَّقُ فِي أَعْدَادِهَا الْمُجَانَسَةُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الْمُفَسَّرَ مِنْهُ تَفْسِيرًا لِلْمُبْهَمِ انْتَهَى.
وَيُوَافِقُهُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ حَيْثُ قَالَ: رَجُلٌ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ وَعَبْدٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀ أَنَّهُ قَالَ: يُقِرُّ فِي الْأَوَّلِ بِمَا يَشَاءُ، وَلَوْ قَالَ: أَلْفٌ وَبَعِيرٌ أَوْ أَلْفٌ وَثَوْبٌ أَوْ أَلْفٌ وَفَرَسٌ فَهِيَ ثِيَابٌ وَأَغْنَامٌ وَأَبْعِرَةٌ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا بَنِي آدَمَ لِأَنَّ بَنِي آدَمَ لَا يُقَسَّمُ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ عَنْ النِّهَايَةِ: وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ، فَإِنَّ عِنْدَهُمَا يُقَسَّمُ الْعَبِيدُ كَالْغَنَمِ، وَإِنَّمَا لَا يُقَسَّمُونَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ انْتَهَى، فَتَأَمَّلْ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَكَذَا إذَا قَالَ مِائَةٌ وَثَوْبَانِ) أَيْ يَرْجِعُ فِي بَيَانِهِ الْمِائَةَ إلَى الْمُقِرِّ (لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ أَنَّ الثِّيَابَ وَمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ لَا يَكْثُرُ وُجُوبُهَا (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ) حَيْثُ يَكُونُ الْكُلُّ ثِيَابًا بِالِاتِّفَاقِ (لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ وَأَعْقَبَهُمَا تَفْسِيرًا إذْ الْأَثْوَابُ لَمْ تُذْكَرْ بِحَرْفِ الْعَطْفِ) حَتَّى يَدُلَّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ (فَانْصَرَفَ إلَيْهِمَا) أَيْ فَانْصَرَفَ التَّفْسِيرُ الْمَذْكُورُ إلَى الْعَدَدَيْنِ جَمِيعًا (لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَاجَةِ إلَى التَّفْسِيرِ فَكَانَ كُلُّهَا) أَيْ كُلُّ الْآحَادِ الْمُنْدَرِجَةِ تَحْتَ ذَيْنِك الْعَدَدَيْنِ (ثِيَابًا) لَا يُقَالُ: الْأَثْوَابُ جَمْعُ ثَوْبٍ لَا يَصْلُحُ مُمَيِّزًا لِلْمِائَةِ لِأَنَّهَا لَمَّا اقْتَرَنَتْ بِالثَّلَاثَةِ صَارَا كَعَدَدٍ وَاحِدٍ، كَذَا فِي الْكَافِي وَالشُّرُوحِ.
(قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَمَنْ أَقَرَّ بِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ لَزِمَهُ التَّمْرُ وَالْقَوْصَرَّةُ) الْقَوْصَرَّةُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ: وِعَاءُ التَّمْرِ يُتَّخَذُ مِنْ قَصَبٍ، وَقَوْلُهُمْ إنَّمَا تُسَمَّى بِذَلِكَ مَا دَامَ فِيهَا التَّمْرُ، وَإِلَّا فَهِيَ زِنْبِيلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى عُرْفِهِمْ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ. قَالَ صَاحِبُ الْجَمْهَرَةِ: أَمَّا الْقَوْصَرَّةُ فَأَحْسَبُهَا دَخِيلًا. وَقَدْ رُوِيَ:
أَفْلَحَ مَنْ كَانَتْ لَهُ قَوْصَرَّهْ … يَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ مَرَّهْ
ثُمَّ قَالَ: وَلَا أَدْرِي مَا صِحَّةُ هَذَا الْبَيْتِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ
قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَفَسَّرَهُ فِي الْأَصْلِ) أَيْ فَسَّرَ الْإِقْرَارَ بِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَبْسُوطُ (بِقَوْلِهِ) أَيْ بِقَوْلِ الْمُقِرِّ (غَصَبْت تَمْرًا فِي قَوْصَرَّةٍ. وَوَجْهُهُ) أَيْ وَجْهُ جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ لُزُومُ التَّمْرِ وَالْقَوْصَرَّةِ جَمِيعًا (أَنَّ الْقَوْصَرَّةَ وِعَاءٌ لَهُ) أَيْ لِلتَّمْرِ (وَظَرْفٌ لَهُ) أَيْ لِلتَّمْرِ (وَغَصْبُ الشَّيْءِ وَهُوَ مَظْرُوفٌ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ مَظْرُوفٌ (لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الظَّرْفِ فَيَلْزَمَانِهِ) أَيْ فَيَلْزَمُ التَّمْرُ وَالْقَوْصَرَّةُ الْمُقِرَّ (وَكَذَا الطَّعَامُ فِي السَّفِينَةِ) أَيْ وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا قَالَ غَصَبْت الطَّعَامَ فِي السَّفِينَةِ (وَالْحِنْطَةَ فِي الْجَوَالِقِ) أَيْ وَفِيمَا إذَا قَالَ غَصَبْت الْحِنْطَةَ فِي الْجَوَالِقِ، وَالْجَوَالِقُ بِالْفَتْحِ جَمْعُ جُوَالِقٍ