للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَوْ قَالَ: مِائَةٌ وَثَوْبٌ لَزِمَهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، وَالْمَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ إلَيْهِ) وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْأَوَّلِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْمِائَةَ مُبْهَمَةٌ وَالدِّرْهَمَ مَعْطُوفٌ عَلَيْهَا بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ لَا تَفْسِيرًا لَهَا فَبَقِيَتْ الْمِائَةُ عَلَى إبْهَامِهَا كَمَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّهُمْ اسْتَثْقَلُوا تَكْرَارَ الدِّرْهَمِ فِي كُلِّ عَدَدٍ وَاكْتَفَوْا بِذِكْرِهِ عَقِيبَ الْعَدَدَيْنِ.

وَهَذَا فِيمَا يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُ وَذَلِكَ عِنْدَ كَثْرَةِ الْوُجُوبِ بِكَثْرَةِ أَسْبَابِهِ وَذَلِكَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، أَمَّا الثِّيَابُ وَمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَلَا يَكْثُرُ وُجُوبُهَا فَبَقِيَ عَلَى الْحَقِيقَةِ.

دَرَاهِمَ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ حَيْثُ قَالَ فِي فَتَاوَاهُ: وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِرْهَمَانِ أَوْ أَلْفٌ وَثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ كَانَ الْكُلُّ دَرَاهِمَ انْتَهَى (وَلَوْ قَالَ مِائَةٌ وَثَوْبٌ) أَيْ وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَثَوْبٌ (لَزِمَهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، وَالْمَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُقِرِّ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْأَوَّلِ) يَعْنِي أَنَّ لُزُومَ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ وَالرُّجُوعَ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ إلَى الْمُقِرِّ هُوَ الْقِيَاسُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُهُ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ وَنَظَائِرُهُ (وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ وَبِالْقِيَاسِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَيْضًا (لِأَنَّ الْمِائَةَ مُبْهَمَةٌ وَالدِّرْهَمَ مَعْطُوفٌ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْمِائَةِ (بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ لَا تَفْسِيرَ لَهَا) لِأَنَّ الْعَطْفَ لَمْ يُوضَعْ لِلْبَيَانِ بَلْ هُوَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ (فَبَقِيَتْ الْمِائَةُ عَلَى إبْهَامِهَا كَمَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُهُ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَثَوْبٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمَصِيرِ إلَى الْبَيَانِ، وَلَكِنْ، عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَرَّقُوا بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ وَأَخَذُوا بِالِاسْتِحْسَانِ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَجَعَلُوا الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْمَعْطُوفِ فِيمَا إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ أَوْ مِائَةٌ وَدِينَارٌ وَقَفِيزُ حِنْطَةٍ أَوْ مِائَةٌ وَمَنُّ زَعْفَرَانٍ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ) بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ (أَنَّهُمْ) أَيْ أَنَّ النَّاسَ (اسْتَثْقَلُوا تَكْرَارَ الدِّرْهَمِ فِي كُلِّ عَدَدٍ وَاكْتَفَوْا بِذِكْرِهِ) أَيْ بِذِكْرِ الدِّرْهَمِ مَرَّةً (عَقِيبَ الْعَدَدَيْنِ) أَلَا يَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا فَيَكْتَفُونَ بِذِكْرِ الدِّرْهَمِ مَرَّةً وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ تَفْسِيرًا لِلْكُلِّ (وَهَذَا) أَيْ اسْتِثْقَالُهُمْ (فِيمَا يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُ وَذَلِكَ) أَيْ كَثْرَةُ الِاسْتِعْمَالِ (عِنْدَ كَثْرَةِ الْوُجُوبِ بِكَثْرَةِ أَسْبَابِهِ وَذَلِكَ) أَيْ كَثْرَةِ الْوُجُوبِ بِكَثْرَةِ الْأَسْبَابِ (فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) يَعْنِي فِيمَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِثُبُوتِهَا فِي الذِّمَّةِ فِي جَمِيعِ الْمُعَامَلَاتِ حَالَّةً وَمُؤَجَّلَةً، وَيَجُوزُ الِاسْتِقْرَاضُ بِهَا لِعُمُومِ الْبَلْوَى (أَمَّا الثِّيَابُ وَمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ لَا يَكْثُرُ وُجُوبُهَا) فَإِنَّ الثِّيَابَ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ دَيْنًا إلَّا فِي السَّلَمِ، وَالشَّاةُ وَنَحْوُهَا لَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ أَصْلًا (فَبَقِيَ) أَيْ بَقِيَ هَذَا الْقِسْمُ (عَلَى الْحَقِيقَةِ) أَيْ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَيَانُ الْمُجْمَلِ إلَى الْمُجْمِلِ لَا إلَى الْمَعْطُوفِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْعَطْفِ لِلتَّفْسِيرِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَقَدْ انْعَدَمَتْ هَاهُنَا.

أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ نَظَرٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ اكْتِفَاءَهُمْ بِذِكْرِ الدِّرْهَمِ مَرَّةً عَقِيبَ الْعَدَدَيْنِ لَا يُجْدِي فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إذْ لَمْ يُذْكَرْ الدِّرْهَمُ فِيهِ عَقِيبَ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ، بَلْ إنَّمَا ذَكَرَهُ عَقِيبَ عَدَدٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْمِائَةُ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُمْ اكْتَفَوْا بِذِكْرِ مِثْلِ الثَّوْبِ أَيْضًا عَقِيبَ الْعَدَدَيْنِ؛ أَلَا يَرَى إلَى مَا سَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا قَالَ مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ يَكُونُ الْكُلُّ أَثْوَابًا لِانْصِرَافِ التَّفْسِيرِ إلَى مَجْمُوعِ الْعَدَدَيْنِ الْمُبْهَمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ قَبْلَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُتَمَحَّلَ فِي الْجَوَابِ بِأَنْ يُقَالَ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُمْ اسْتَثْقَلُوا تَكْرَارَ الْمُمَيِّزِ

<<  <  ج: ص:  >  >>