للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّهُ تَحْوِيلُ الدَّيْنِ.

قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الدَّيْنِ وَكَذَّبَهُ فِي التَّأْجِيلِ لَزِمَهُ الدَّيْنُ حَالًا) لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَالٍ وَادَّعَى حَقًّا لِنَفْسِهِ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِعَبْدٍ فِي يَدِهِ وَادَّعَى الْإِجَارَةَ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالدَّرَاهِمِ السُّودِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ فِيهِ وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْكَفَالَةِ. قَالَ (وَيَسْتَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى الْأَجَلِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ حَقًّا عَلَيْهِ وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكِرِ.

(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ لَزِمَهُ كُلُّهَا دَرَاهِمُ.

إقْرَارًا (لِأَنَّهُ تَحْوِيلُ الدَّيْنِ) مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ، وَذَا لَا يَكُونُ بِدُونِ الْوُجُوبِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْضِيكَهَا الْيَوْمَ أَوْ لَا أَتَّزِنُهَا لَك الْيَوْمَ لِأَنَّهُ نَفَى الْقَضَاءَ وَالْوَزْنَ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ أَصْلِ الْمَالِ عَلَيْهِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْمَالِ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَالْقَضَاءُ يَكُونُ مُنْتَفِيًا أَبَدًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْكِيدِ نَفْيِ الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ مُنْتَفٍ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَلَوْ قِيلَ لَهُ هَلْ عَلَيْك لِفُلَانٍ كَذَا فَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ بِنَعَمْ لَا يَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ مِنْ الْأَخْرَسِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْكَلَامِ لَا مِنْ غَيْرِهِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ.

(قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَصَدَّقَهُ الْمُقِرُّ لَهُ فِي الدَّيْنِ وَكَذَّبَهُ فِي التَّأْجِيلِ لَزِمَهُ الدَّيْنُ حَالًا) هَذَا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَزِمَهُ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَالٍ مَوْصُوفٍ بِأَنَّهُ مُؤَجَّلٌ إلَى وَقْتٍ فَيَلْزَمُهُ بِالْوَصْفِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِمَنْ عَلَيْهِ الْمَالُ فَكَيْفَ يَكُونُ صِفَةً لِلْمَالِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الدَّائِنِ وَلَكِنَّهُ مُؤَخَّرٌ لِلْمُطَالَبَةِ إلَى مُضِيِّهِ، فَكَانَ دَعْوَاهُ الْأَجَلَ كَدَعْوَاهُ الْإِبْرَاءَ، كَذَا ذَكَرَ فِي بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْمَبْسُوطِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الْمُقِرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ (أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَالٍ وَادَّعَى حَقًّا لِنَفْسِهِ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَالِ فَيُصَدَّقُ فِي الْإِقْرَارِ بِلَا حُجَّةٍ دُونَ الدَّعْوَى (فَصَارَ) أَيْ فَصَارَ الْمُقِرُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (كَمَا إذَا أَقَرَّ) لِغَيْرِهِ (بِعَبْدٍ فِي يَدِهِ) أَيْ بِعَبْدٍ كَائِنٍ فِي يَدِ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ مَلَكَ ذَلِكَ الْغَيْرَ (وَادَّعَى الْإِجَارَةَ) أَيْ ادَّعَى أَنَّهُ اسْتَأْجَرَ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ صَاحِبِهِ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْمِلْكِ دُونَ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ هُنَاكَ فِي دَعْوَى الْإِجَارَةِ، فَكَذَا هَاهُنَا فِي دَعْوَى الْأَجَلِ (بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالدَّرَاهِمِ السُّودِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِالدَّرَاهِمِ السُّودِ فَصَدَّقَهُ فِي الْمُقَرِّ لَهُ بِالدَّرَاهِمِ دُونَ وَصْفِ السَّوَادِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ الدَّرَاهِمُ السُّودُ دُونَ الْبِيضِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ السَّوَادَ (صِفَةٌ فِيهِ) أَيْ فِي الدَّرَاهِمِ أَوْ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا، وَأَمَّا الْأَجَلُ فَلَيْسَ بِصِفَةٍ فِي الدُّيُونِ الْوَاجِبَةِ بِغَيْرِ عَقْدِ الْكَفَالَةِ كَالْقُرُوضِ وَثَمَنِ الْبِيَاعَاتِ وَالْمَهْرِ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، بَلْ الْأَجَلُ فِيهَا أَمْرٌ عَارِضٌ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ بِلَا شَرْطٍ، وَالْقَوْلُ لِمُنْكَرِ الْعَارِضِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْكَفَالَةِ) فَإِنَّهُ قَالَ فِي فَصْلِ الضَّمَانِ مِنْ كِتَابِ الْكَفَالَةِ وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: لَك عَلَيَّ مِائَةٌ إلَى شَهْرٍ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ حَالَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي، وَإِنْ قَالَ: ضَمِنْت لَك عَنْ فُلَانٍ مِائَةً إلَى شَهْرٍ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ حَالَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الضَّامِنِ.

وَقَالَ: وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا لِنَفْسِهِ وَهُوَ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ إلَى أَجَلٍ، وَفِي الْكَفَالَةِ مَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ إنَّمَا أَقَرَّ بِمُجَرَّدِ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ الشَّهْرِ، وَلِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الدُّيُونِ عَارِضٌ حَتَّى لَا يَثْبُتَ إلَّا بِالشَّرْطِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ أَنْكَرَ الشَّرْطَ كَمَا فِي الْخِيَارِ، أَمَّا الْأَجَلُ فِي الْكَفَالَةِ نَوْعٌ حَتَّى يَثْبُتَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِأَنْ كَانَ مُؤَجَّلًا عَلَى الْأَصِيلِ انْتَهَى (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَيُسْتَحْلَفُ الْمُقَرُّ لَهُ) أَيْ يُسْتَحْلَفُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ (عَلَى الْأَجَلِ) أَيْ عَلَى إنْكَارِ الْأَجَلِ (لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ حَقًّا عَلَيْهِ) فَإِنَّ الْمُقِرَّ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّأْجِيلَ وَهُوَ يُنْكِرُ ذَلِكَ (وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكِرِ) بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَفِي الذَّخِيرَةِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْإِقْرَارِ، وَلَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِالْحَلِفِ حَتَّى إنَّ مَنْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَنْكَرَ فَاسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي فَحَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِهِ قَضَى لَهُ بِالْمُقَرِّ بِهِ.

(وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ لَزِمَهُ كُلُّهَا دَرَاهِمُ) وَكَذَا لَوْ قَالَ مِائَةٌ وَدِرْهَمَانِ أَوْ مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>