للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّ النَّفِيسَ مِنْ الثِّيَابِ قَدْ يُلَفُّ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ فَأَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الظَّرْفِ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ حَرْفَ " فِي " يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْنِ وَالْوَسَطِ أَيْضًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي﴾ أَيْ بَيْنَ عِبَادِي، فَوَقَعَ الشَّكُّ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَمِ، عَلَى أَنَّ كُلَّ ثَوْبٍ مُوعًى وَلَيْسَ بِوِعَاءٍ فَتَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الظَّرْفِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ مَحْمَلًا.

لِأَنَّ النَّفِيسَ مِنْ الثِّيَابِ قَدْ يُلَفُّ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ فَأَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الظَّرْفِ) يَعْنِي أَنَّ كَلِمَةَ فِي حَقِيقَةٌ فِي الظَّرْفِ وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ الْوَاحِدَ قَدْ يُلَفُّ لِعِزَّتِهِ وَنَفَاسَتِهِ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ فَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ.

قِيلَ هُوَ مَنْقُوضٌ عَلَى أَصْلِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ؟ قَالَ: غَصَبْته كِرْبَاسًا فِي عَشَرَةِ أَثْوَابِ حَرِيرٍ يَلْزَمُهُ الْكُلُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا مَعَ أَنَّ عَشَرَةَ أَثْوَابِ حَرِيرٍ لَا تُجْعَلُ وِعَاءً لِلْكِرْبَاسِ عَادَةً، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمَبْسُوطِ (وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ حَرْفَ فِي يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْنِ وَالْوَسَطِ أَيْضًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي﴾ أَيْ بَيْنَ عِبَادِي فَوَقَعَ الشَّكُّ) فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِحَرْفِ " فِي " هَاهُنَا مَعْنَى الظَّرْفِ أَوْ مَعْنَى الْبَيْنِ، وَبِالشَّكِّ لَا يَثْبُتُ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ (وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَمِ) لِأَنَّهَا خُلِقَتْ بَرِيئَةً عَرِيَّةً عَنْ الْحُقُوقِ فَلَا يَجُوزُ شَغْلُهَا إلَّا بِحُجَّةٍ قَوِيَّةٍ وَلَمْ تُوجَدْ فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ (عَلَى أَنَّ كُلَّ ثَوْبٍ مُوعًى وَلَيْسَ بِوِعَاءٍ) يَعْنِي أَنَّ مَجْمُوعَ الْعَشَرَةِ لَيْسَ بِوِعَاءٍ لِلْوَاحِدِ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُوعًى بِمَا حَوَاهُ، فَإِنَّهُ إذَا لَفَّ ثَوْبًا فِي أَثْوَابٍ يَكُونُ كُلُّ ثَوْبٍ مُوعًى فِي حَقِّ مَا وَرَاءَهُ، وَلَا يَكُونُ وِعَاءً إلَّا الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ وِعَاءٌ وَلَيْسَ بِمُوعًى، فَلَفْظَةُ كُلٍّ هَاهُنَا لِمُجَرَّدِ التَّكْثِيرِ لَا لِلِاسْتِغْرَاقِ كَمَا قَالُوا فِي نَظَائِرِهَا، فَإِذَا تَحَقَّقَ عَدَمُ كَوْنِ الْعَشَرَةِ وِعَاءً لِلثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُ كَلِمَةِ فِي عَلَى الظَّرْفِ فِي قَوْلِهِ: ثَوْبٌ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ (فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ) أَيْ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ الْبَيْنُ (مَحْمَلًا) بِكَلِمَةِ " فِي " فِي قَوْلِهِ الْمَزْبُورِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: عَلَيَّ ثَوْبٌ بَيْنَ عَشَرَةِ أَثْوَابٍ وَلَمْ يَلْزَمْهُ بِهَذَا الْمَعْنَى إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ.

قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ فِي حِلِّ هَذَا الْمَقَامِ: فَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُ الْعَشَرَةِ وِعَاءً لِلثَّوْبِ الْوَاحِدِ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَغْوًا وَزَادَ عَلَى هَذَا مِنْ بَيْنِهِمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَنْ قَالَ: وَتَعَيَّنَ أَوَّلُ كَلَامِهِ مَحْمَلًا: يَعْنِي أَنْ يَكُونَ فِي بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ الْبَيْنُ انْتَهَى.

أَقُولُ: هَذَا الشَّرْحُ مِنْهُمْ لَا يُطَابِقُ الْمَشْرُوحَ، إذْ لَا يُسَاعِدُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ جَعْلَ آخِرِ كَلَامِ الْمُقِرِّ لَغْوًا، فَإِنَّ قَوْلَهُ: فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ مَحْمَلًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِآخِرِ كَلَامِ الْمُقِرِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ مَحْمَلًا مُتَعَيِّنًا وَهُوَ مَعْنَى الْبَيْنِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا، فَإِذَا تَيَسَّرَ لِآخِرِ كَلَامِهِ بَلْ تَعَيَّنَ لَهُ مَحْمَلٌ صَحِيحٌ مِنْ الْمَعَانِي الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيهَا كَلِمَةُ فِي لَمْ يَصِحَّ جَعْلُ ذَلِكَ لَغْوًا مِنْ الْكَلَامِ، إذْ يَجِبُ صِيَانَةُ كَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ اللَّغْوِ مَهْمَا أَمْكَنَ.

ثُمَّ مِنْ الْعَجَائِبِ مَا زَادَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ وَتَعَيَّنَ أَوَّلُ كَلَامِهِ مَحْمَلًا بَعْدَ قَوْلِهِ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَغْوًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حُمِلَ عَلَى الْأَوَّلِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ مَحْمَلًا عَلَى أَوَّلِ كَلَامِ الْمُقِرِّ، وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ مِمَّا يَأْبَى عَنْهُ جِدًّا قَيْدُ مَحْمَلًا يُنَافِيهِ تَفْسِيرُهُ بِقَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الْبَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَوْنَ فِي بِمَعْنَى الْبَيْنِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي آخِرِ كَلَامِ الْمُقِرِّ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ دُونَ أَوَّلِ كَلَامِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَى ثَوْبٍ إذْ لَا مِسَاسَ لَهُ بِمَعْنَى الْبَيْنِ أَصْلًا، وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ الزَّاهِدِيَّ قَالَ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ: قَدْ اشْتَبَهَ عَلَيَّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا أَنَّ الْمَظْرُوفَ مُعَيَّنٌ مُشَارٌ إلَيْهِ أَمْ يَسْتَوِي الْمُعَيَّنُ وَالْمُنْكَرُ فِي ذَلِكَ، إلَى أَنْ ظَفِرْتُ بِالرِّوَايَةِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى،

<<  <  ج: ص:  >  >>