. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ بِطَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا حَقِيقِيٌّ وَالْآخَرُ حُكْمِيٌّ. فَالْحَقِيقِيُّ مَا إذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَالْحُكْمِيُّ مَا إذَا وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَى سَنَتَيْنِ وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ مُعْتَدَّةً، إذْ حِينَئِذٍ يُحْكَمُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ فَيَكُونُ ذَلِكَ حُكْمًا بِوُجُودِهِ فِي الْبَطْنِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً وَجَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا كَذَا قَالُوا. ثُمَّ إنَّ الشُّرَّاحَ افْتَرَقُوا هَاهُنَا فِي تَعْيِينِ أَوَّلِ مُدَّةٍ يُعْلَمُ بِهَا أَنَّ الْوَلَدَ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَئِذٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ حَيْثُ قَالَ بِأَنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ كَمَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ الْمُوَرِّثِ حَيْثُ قَالَ بِأَنْ وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُذْ مَاتَ الْمُورَثُ وَالْمُوصِي كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَافِي، وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَيْضًا أَقُولُ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ أَوْفَقَ بِالْمَشْرُوحِ فِي الظَّاهِرِ حَيْثُ ذَكَرَ فِيهِ كَوْنَ الْوَلَدِ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ إلَّا أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلتَّحْقِيقِ، وَهُوَ أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ لَا إنْشَاءُ الْحَقِّ ابْتِدَاءً كَمَا تَقَرَّرَ فِي صَدْرِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ، فَإِنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَتَقَرَّرَ وُجُودُ الْمُقَرِّ لَهُ عِنْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِ الْمِلْكِ لَا عِنْدَ مُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ، وَسَبَبُ الْمِلْكِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ الْمُوَرِّثِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُعْتَبَرَ أَوَّلُ مُدَّةٍ يَعْلَمُ بِهَا وُجُودَ الْحَمْلِ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ الْمُوَرِّثِ لِيَتَقَرَّرَ وُجُودُهُ عِنْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِ الْمِلْكِ، فَإِنَّهُ إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ فِي مُدَّةٍ هِيَ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَأَكْثَرُ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ الْمُوَرِّثِ، أَوْ أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ الْمُوَرِّثِ فِي غَيْرِ الْمُعْتَدَّةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ لِلْحَمْلِ شَيْءٌ، أَمَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ الْمُوَرِّثِ فَلِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْجَنِينَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِ الْمِلْكِ فَلَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِاسْتِحْقَاقِ الْمَالِ، وَلَا يُفِيدُ كَوْنُهُ مَوْجُودًا عِنْدَ مُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِسَبَبٍ سَابِقٍ لَا إنْشَاءُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ.
وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ الْمُوَرِّثِ فِي غَيْرِ الْمُعْتَدَّةِ فَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ كَوْنُ الْجَنِينِ مَوْجُودًا عِنْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِ الْمِلْكِ بَلْ يَبْقَى عَلَى مُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ، وَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِالشَّكِّ فَلَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ لَهُ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ كَمَا إذَا بَيَّنَ سَبَبًا غَيْرَ صَالِحٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي. لَكِنْ بَقِيَ هَاهُنَا شَيْءٌ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَيْضًا وَهُوَ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْعِلْمُ بِوُجُودِ الْجَنِينِ بِالطَّرِيقِ الْحُكْمِيِّ لَا الْحَقِيقِيِّ وَذَلِكَ بِأَنْ وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَى سَنَتَيْنِ وَكَانَتْ مُعْتَدَّةً قَالُوا يُحْكَمُ حِينَئِذٍ بِثُبُوتِ النَّسَبِ فَيَكُونُ ذَلِكَ حُكْمًا بِوُجُودِهِ فِي الْبَطْنِ حِينَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ أَوْ الْمُوصِي. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحُكْمَ بِثُبُوتِ النَّسَبِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ وَهُوَ لَا يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِوُجُودِهِ فِي الْبَطْنِ حِينَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ أَوْ الْمُوصِي لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وَقْتُ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ أَوْ الْمُوصِي أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَوَقْتُ الْفِرَاقِ أَقَلَّ مِنْهُمَا. فَإِنْ قِيلَ: اُعْتُبِرَ أَوَّلُ الْمُدَّةِ فِي الطَّرِيقِ الْحَقِيقِيِّ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مِنْ وَقْتِ الْمُوَرِّثِ أَوْ الْمُوصِي فَفِي الطَّرِيقِ الْحُكْمِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute