قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِشَرْطِ الْخِيَارِ بَطَلَ الشَّرْطُ) لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْفَسْخِ وَالْإِخْبَارُ لَا يَحْتَمِلُهُ (وَلَزِمَهُ الْمَالُ) لِوُجُودِ الصِّيغَةِ الْمُلْزِمَةِ وَلَمْ تَنْعَدِمْ بِهَذَا الشَّرْطِ الْبَاطِلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْكِتَابِ، فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ مَالِكُ الْحَامِلِ بِالْحَامِلِ لِرَجُلٍ وَيَسْتَثْنِيَ حَمْلَهَا وَيَمُوتَ، فَإِذَنْ تَصِيرُ الْحَامِلُ لِلْمُوصَى لَهُ وَالْحَمْلُ لِوَارِثِ الْمَيِّتِ، فَلَوْ أَقَرَّ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ أَنْ قَبَضَ الْحَامِلَ بِاسْتِحْقَاقِهِ إيَّاهَا بِأَنَّ حَمْلَ هَذِهِ الْحَامِلِ لِوَارِثِ الْمَيِّتِ الْمَزْبُورِ صَحَّ إقْرَارُهُ وَكَانَ لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمِيرَاثُ، فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِمْ لَا وَجْهَ لِلْمِيرَاثِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَا لِتَعْلِيلِهِمْ إيَّاهُ بِأَنَّ مَنْ لَهُ مِيرَاثٌ فِي الْحَمْلِ لَهُ مِيرَاثٌ فِي الْحَامِلِ، تَأَمَّلْ جِدًّا فَإِنَّ مَا ذَكَرْته وَجْهٌ حَسَنٌ دَقِيقٌ لَمْ يَتَنَبَّهْ لَهُ الْجُمْهُورُ. ثُمَّ أَقُولُ: يُشْكِلُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْوَجْهُ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ قِبَلِ أَبِي يُوسُفَ ﵀ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي صُورَةِ إبْهَامِ الْإِقْرَارِ، فَإِنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ لَمْ يُصْرَفْ هَاهُنَا إلَى الْإِقْرَارِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ بِأَنْ يَبِيعَ الْحَمْلُ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ وَبِنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْغَيْرِ الصَّالِحَةِ فِي حَقِّ الْحَمْلِ بَلْ صُرِفَ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا إلَى الْإِقْرَارِ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ غَيْرِ سَبَبِ التِّجَارَةِ فَلَمْ يَتِمَّ مَا ذَكَرَهُ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ مِنْ أَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ يَنْصَرِفُ إلَى الْإِقْرَارِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ فَيَصِيرُ كَمَا إذَا صَرَّحَ بِهِ فَتَدَبَّرْ، وَقَدْ رَامَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ بَيَانَ الْفَرْقِ لِأَبِي يُوسُفَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: وَالْفَرْقُ لِأَبِي يُوسُفَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ جَوَّزَ الْإِقْرَارَ بِالْحَمْلِ وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَيْثُ لَمْ يَجُزْ الْإِقْرَارُ لِلْحَمْلِ إذَا أُبْهِمَ الْإِقْرَارُ أَنَّ هَاهُنَا طَرِيقَ التَّصْحِيحِ مُتَعَيَّنٌ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ، بِخِلَافِ الْأَوْلَى فَإِنَّ طَرِيقَ التَّصْحِيحِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِازْدِحَامِ الْمِيرَاثِ الْوَصِيَّةَ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ لِأَبِي يُوسُفَ قَالَ: أَرَأَيْت لَوْ وَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً كَيْفَ يُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا؟ أَثْلَاثًا بِاعْتِبَارِ الْمِيرَاثِ، أَمْ نِصْفَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْوَصِيَّةِ؟ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ جَوَازَ الْإِقْرَارِ مُتَعَذِّرٌ لِاحْتِمَالِهِ وَجْهَيْنِ إرْثًا وَوَصِيَّةً انْتَهَى.
وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: قَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ جِهَةُ الْجَوَازِ مُتَعَذِّرَةً لَا يُحْمَلُ عَلَى الْجَوَازِ لِتَزَاحُمِ جِهَاتِ الْجَوَازِ وَلَمْ تَكُنْ إحْدَاهُمَا فِي الْحَمْلِ عَلَيْهَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى، وَأَمَّا إذَا تَعَيَّنَتْ جِهَةُ الْجَوَازِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا فَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ مُزَاحَمَةَ الْمِيرَاثِ الْوَصِيَّةَ فِي حَقِّ الْحَمْلِ عَلَيْهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ الْوَارِثَ إذَا كَانَ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْحَمْلِ كَانَ لَهُ نَصِيبٌ أَيْضًا فِي الْأُمِّ لِشُيُوعِ حَقِّهِ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ.
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِحَمْلِ جَارِيَةٍ أَوْ بِحَمْلِ شَاةٍ لَا تَكُونُ وَصِيَّةً بِالْأُمِّ فَتَعَيَّنَتْ الْوَصِيَّةُ جِهَةً لِلْجَوَازِ فَيَجُوزُ، وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ لِأَبِي يُوسُفَ فِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ مُطْلَقًا بِحَمْلِ جَارِيَةٍ لِإِنْسَانٍ وَعَدَمِ صِحَّةِ إقْرَارِهِ مُطْلَقًا لِلْحَمْلِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هُنَاكَ لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ مُطْلَقًا جِهَتَيْنِ الْمِيرَاثَ وَالْوَصِيَّةَ، وَلَيْسَ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَيَبْقَى عَلَى الْبُطْلَانِ انْتَهَى. وَهَكَذَا ذَكَرَ الْفَرْقَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ أَيْضًا. أَقُولُ: مَدَارُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْفُرُوقِ عَلَى حَرْفَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ تَعَدُّدَ جِهَةِ الْجَوَازِ يُنَافِي الْحَمْلَ عَلَى الْجَوَازِ. وَثَانِيهِمَا أَنَّ جِهَةَ الْجَوَازِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُنْحَصِرَةٌ فِي الْوَصِيَّةِ، وَقَدْ عَرَفْت مَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَقَامَيْنِ فِيمَا مَرَّ آنِفًا.
(قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَمَنْ أَقَرَّ بِشَرْطِ الْخِيَارِ بَطَلَ الشَّرْطُ) يَعْنِي وَمَنْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي إقْرَارِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ صَحَّ الْإِقْرَارُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ، أَمَّا بُطْلَانُ الشَّرْطِ وَهُوَ الْأَهَمُّ بِالْبَيَانِ فَلِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْفَسْخِ) أَيْ لِأَجْلِ الْفَسْخِ (وَالْإِخْبَارُ لَا يَحْتَمِلُهُ) أَيْ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ: يَعْنِي أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ وَالْإِخْبَارُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ إنْ كَانَ صَادِقًا فَهُوَ وَاجِبُ الْعَمَلِ بِهِ اخْتَارَهُ أَوْ لَمْ يَخْتَرْهُ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ وَاجِبُ الرَّدِّ لَا يَتَغَيَّرُ بِاخْتِيَارِهِ وَعَدَمِ اخْتِيَارِهِ، وَإِنَّمَا تَأْثِيرُ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِي الْعُقُودِ لِيَتَغَيَّرَ بِهِ صِفَةُ الْعَقْدِ وَيَتَخَيَّرَ بِهِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ فَسْخِهِ وَإِمْضَائِهِ، وَأَمَّا صِحَّةُ الْإِقْرَارِ الَّتِي حُكْمُهَا لُزُومُ الْمُقَرِّ بِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَلَزِمَهُ الْمَالُ) أَيْ وَلَزِمَ الْمُقِرَّ الْمَالُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فَلَمَّا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (لِوُجُودِ الصِّيغَةِ الْمُلْزِمَةِ) وَهِيَ قَوْلُهُ عَلَيَّ وَنَحْوُ ذَلِكَ (وَلَمْ يَنْعَدِمْ) أَيْ اللُّزُومُ، وَقِيلَ: أَيْ الْإِخْبَارُ (بِهَذَا الشَّرْطِ الْبَاطِلِ) يَعْنِي شَرْطَ الْخِيَارِ إذْ لَا تَأْثِيرَ لِلْبَاطِلِ، وَلِأَنَّ الْخِيَارَ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ فِيمَا دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ حُكْمُ الْعَقْدِ وَالْإِقْرَارُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ، فَكَذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ، إلَّا أَنَّ التَّعْلِيقَ يَدْخُلُ عَلَى أَصْلِ السَّبَبِ فَيَمْنَعُ كَوْنَ الْكَلَامِ إقْرَارًا وَالْخِيَارُ يَدْخُلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute