للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِحَمْلِ جَارِيَةٍ أَوْ حَمْلِ شَاةٍ لِرَجُلٍ صَحَّ إقْرَارُهُ وَلَزِمَهُ) لِأَنَّ لَهُ وَجْهًا صَحِيحًا وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ.

الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُتَعَذِّرٌ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَتَعَذَّرَ الْحَمْلُ عَلَى الْجَوَازِ فَحُكِمَ بِالْفَسَادِ لِهَذَا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا أَقَرَّ حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّ لِلْجَوَازِ جِهَةً وَاحِدَةً وَهِيَ التِّجَارَةُ وَلِلْفَسَادِ جِهَاتٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ بَيَّنَ سَبَبًا يَسْتَقِيمُ بِهِ وُجُوبُ الْمَالِ لِلْجَنِينِ وَصِيَّةً أَوْ مِيرَاثًا حَيْثُ كَانَ الْإِقْرَارُ صَحِيحًا لِأَنَّ جِهَةَ الْجَوَازِ مُتَعَيِّنَةٌ، وَهِيَ مَا صَرَّحَ بِهِ فَكَانَ مَحْكُومًا بِالْجَوَازِ انْتَهَى كَلَامُهُ.

أَقُولُ: الْوَجْهُ الَّذِي ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ مَنْظُورٌ فِيهِ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كَوْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ وَجْهًا صَالِحًا لِجَوَازِ الْإِقْرَارِ لِلْحَمْلِ مَعَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَعَدَمُ تَعَيُّنِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي صُورَةِ إبْهَامِ الْإِقْرَارِ لَهُ يَقْتَضِي تَعَذُّرَ الْحَمْلِ عَلَى الْجَوَازِ فَيَلْزَمُ الْحُكْمُ بِالْفَسَادِ لِمَ لَا يَكْفِي فِي صِحَّةِ الْحَمْلِ عَلَى الْجَوَازِ صَلَاحِيَةُ وَجْهٍ مَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِلْجَوَازِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ خُصُوصِيَّةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ أَلَا يَرَى أَنَّ جَهَالَةَ نَفْسِ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَيْفَ يَمْنَعُهَا جَهَالَةُ سَبَبِ الْمُقَرِّ بِهِ؟ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَلْزَمَ الْمُقِرَّ بَيَانُ خُصُوصِيَّةِ وَجْهٍ مِنْ ذَيْنَك الْوَجْهَيْنِ كَمَا يَلْزَمُهُ بَيَانُ خُصُوصِيَّةِ الْمُقَرِّ بِهِ الْمَجْهُولِ، فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ الْحُكْمُ بِالْفَسَادِ.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ ذَلِكَ الدَّلِيلَ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ: لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَهُ، فَإِنَّ هَذَا إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ مَعَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْفَسَادَ بِأَنْ يَكُونَ بِسَبَبِ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ دَمٍ أَوْ مَيْتَةٍ. وَلَا شَكَّ أَنَّ لِجَوَازِ الدَّيْنِ أَسْبَابًا كَثِيرَةً مُتَعَذِّرَةَ الِاجْتِمَاعِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ.

وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ التَّنْظِيرَ الْمَذْكُورَ فِيهِ لَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى مَعَ عَبْدٍ آخَرَ مِنْ الْبَائِعِ لَيْسَتْ فِي السَّبَبِ بَلْ فِي قَدْرِ ثَمَنِ الْعَبْدِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ لَمَّا جَازَ بَيْعُهُ بِوَجْهَيْنِ بِأَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِ مِثْلُ الثَّمَنِ وَبِأَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ أَحَدُ ذَيْنِك الْوَجْهَيْنِ بِخُصُوصِهِ وَقَعَتْ الْجَهَالَةُ فِي ثَمَنِهِ وَجَهَالَةُ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ مُفْسِدَةٌ بِلَا كَلَامٍ، بِخِلَافِ جَهَالَةِ السَّبَبِ فِي الْإِقْرَارِ كَمَا تَحَقَّقْته، عَلَى أَنَّ تَعْلِيلَ فَسَادِ الْبَيْعِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِمَا ذُكِرَ لَيْسَ بِتَامٍّ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِصِحَّةِ بَيْعِ عَبْدٍ آخَرَ لَهُ، فَإِنَّ لِجَوَازِ بَيْعِهِ أَيْضًا وَجْهَيْنِ: بِأَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِ مَا بَقِيَ مِنْ مِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لِلْعَبْدِ الْمُشْتَرَى مِنْ الْبَائِعِ، أَوْ مَا بَقِيَ مِنْ أَكْثَرَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ إذَا صُرِفَ إلَى أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى لَهُمَا يَكُونُ الْبَاقِي مِنْهُ مَصْرُوفًا إلَى الْآخَرِ ضَرُورَةً، فَتَعَدُّدُ وَجْهِ الْجَوَازِ فِي أَحَدِهِمَا يَقْتَضِي تَعَدُّدَ وَجْهِ الْجَوَازِ فِي الْآخَرِ أَيْضًا مَعَ أَنَّ بَيْعَ عَبْدٍ آخَرَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَزْبُورَةِ لَيْسَ بِفَاسِدٍ إجْمَاعًا، وَيُنْتَقَضُ أَيْضًا بِصِحَّةِ بَيْعِ الْعَبْدَيْنِ جَمِيعًا فِيمَا إذَا بَاعَ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَى بِأَلْفٍ بَعْدَ نَقْدِ الثَّمَنِ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ لَهُ مِنْ الْبَائِعِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَإِنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ يَجْرِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا بِعَيْنِهِ بَلْ مَعَ زِيَادَةٍ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ إلَى الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى مِنْ الْبَائِعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْأُولَى فَازْدَادَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَجْهٌ آخَرُ لِلْجَوَازِ مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِيهَا. وَيُمْكِنُ تَعْلِيلُ فَسَادِ بَيْعِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى مِنْ الْبَائِعِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بِوَجْهٍ آخَرَ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مَا مِنْ مَادَّتَيْ النَّقْضِ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ مَحَلَّهَا.

(قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَمَنْ أَقَرَّ بِحَمْلِ جَارِيَةٍ أَوْ حَمْلِ شَاةٍ لِرَجُلٍ صَحَّ إقْرَارُهُ وَلَزِمَهُ) أَيْ لَزِمَ الْمُقِرَّ مَا أَقَرَّ بِهِ (لِأَنَّ لَهُ) أَيْ لِإِقْرَارِهِ (وَجْهًا صَحِيحًا وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِهِ) أَيْ بِالْحَمْلِ (مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُقِرِّ بِأَنْ أَوْصَى بِالْحَمْلِ مَالِكُ الْجَارِيَةِ وَمَالِكُ الشَّاةِ لِرَجُلٍ وَمَاتَ فَأَقَرَّ وَارِثُهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِوَصِيَّةِ مُوَرِّثِهِ بِأَنَّ هَذَا الْحَمْلَ لِفُلَانٍ، وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ الْوَجْهُ وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (فَحُمِلَ عَلَيْهِ) قَالَ الشُّرَّاحُ: وَلَا وَجْهَ لِلْمِيرَاثِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّ مَنْ لَهُ مِيرَاثٌ فِي الْحَمْلِ لَهُ مِيرَاثٌ فِي الْحَامِلِ.

أَقُولُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَنْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ، وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ بِعَيْنِهَا فِي كِتَابِ الْوَصَايَا مِنْ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>