للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَسَوَاءٌ اسْتَثْنَى الْأَقَلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ، فَإِنْ اسْتَثْنَى الْجَمِيعَ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ) لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثَّنِيَّا وَلَا حَاصِلَ بَعْدَهُ فَيَكُونُ رُجُوعًا،

فَيَصِحُّ بِشَرْطِ الْوَصْلِ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.

وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَوَازُ التَّأْخِيرِ وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْأُصُولِ (وَسَوَاءٌ اسْتَثْنَى الْأَقَلَّ) أَيْ الْأَقَلَّ مِنْ الْبَاقِي كَمَا فِي قَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَرْبَعَمِائَةٍ (أَوْ الْأَكْثَرَ) مِنْهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا سِتَّمِائَةٍ: يَعْنِي لَا فَصْلَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُسْتَثْنَى أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ الْأَكْثَرِ. وَفِي الْعِنَايَةِ: وَقَالَ الْفَرَّاءُ: اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِذَلِكَ.

وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْأَقَلِّ. وَعَنْ أَحْمَدَ مِثْلُهُ انْتَهَى.

وَفِي الْكَافِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْفَرَّاءِ: إنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ انْتَهَى.

وَيُوَافِقُهُ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا إذَا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَصِحُّ وَيَكُونُ عَلَيْهِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَهَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالْفَرَّاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ وَيَلْزَمُهُ الْأَلْفُ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى أَكْثَرُ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ انْتَهَى.

قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ: وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ عِنْدَنَا قَوْله تَعَالَى ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا﴾ ﴿نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا﴾ ﴿أَوْ زِدْ عَلَيْهِ﴾ أَقُولُ: فِي كَوْنِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْكَشَّافِ قَالَ فِي تَفْسِيرِهَا: نِصْفَهُ بَدَلٌ مِنْ اللَّيْلِ، وَإِلَّا قَلِيلًا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ النِّصْفِ، كَأَنَّهُ قَالَ: قُمْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ شِئْت جَعَلْت نِصْفَهُ بَدَلًا مِنْ قَلِيلًا، فَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ لَمْ يَكُنْ الِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ مِنْ قَبِيلِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ، أَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ قَدْرًا مُعَيَّنًا مَخْصُوصًا حَتَّى يُحْكَمَ بِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ الْبَاقِي.

نَعَمْ يُعْلَمُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ النِّصْفِ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ الْبَاقِي أَيْضًا، وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَكُونُ حِينَئِذٍ النِّصْفَ لَا الْأَكْثَرَ، وَالْمُدَّعَى جَوَازُ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ، فَالْأَظْهَرُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ، وَهُوَ أَنَّ طَرِيقَ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يُجْعَلَ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ اسْتِثْنَاءِ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ، وَعَدَمُ تَكَلُّمِ الْعَرَبِ بِهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِطَرِيقِهِمْ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكَسْرِ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ وَكَانَ صَحِيحًا، وَيُوَافِقُهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ الْكَثِيرِ مِنْ الْقَلِيلِ بِأَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا تِسْعَةً فَجَائِزٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ، إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَعَلَيْهِ الْعَشَرَةُ.

وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثَّنِيَّا، وَهَذَا الْمَعْنَى كَمَا يُوجَدُ فِي اسْتِثْنَاءِ الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ يُوجَدُ فِي اسْتِثْنَاءِ الْكَثِيرِ مِنْ الْقَلِيلِ، إلَّا أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا وَضَعُوا الِاسْتِثْنَاءَ لِحَاجَتِهِمْ إلَى اسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ، وَمِثْلُ هَذَا الْغَلَطِ يَنْدُرُ وُقُوعُهُ غَايَةَ النُّدْرَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِدْرَاكِهِ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْوُقُوعَ فِي الْجُمْلَةِ فَيَصِحُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ.

ثُمَّ إنَّ لِجَوَازِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ دَلِيلًا آخَرَ قَوِيًّا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ فَإِنَّ الْغَاوِينَ أَكْثَرُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ (فَإِنْ اسْتَثْنَى الْجَمِيعَ) أَيْ الْكُلَّ بِأَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا أَلْفَ دِرْهَمٍ (لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ) أَيْ لَزِمَ الْمُقِرَّ جَمِيعُ مَا أَقَرَّ بِهِ (وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ) أَيْ بَطَلَ مَا ذَكَرَهُ فِي صُورَةِ الِاسْتِثْنَاءِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ (تَكَلُّمٌ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثَّنِيَّا) أَيْ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثَّنِيَّا (وَلَا حَاصِلَ بَعْدَهُ) أَيْ وَلَا بَاقِيَ بَعْدَ اسْتِثْنَاءِ الْجَمِيعِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ (فَيَكُونُ رُجُوعًا) أَيْ فَيَكُونُ مَا ذَكَرَهُ فِي صُورَةِ الِاسْتِثْنَاءِ رُجُوعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>