وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ فِي الطَّلَاقِ.
عَنْ الْإِقْرَارِ لَا مَحَالَةَ لَا اسْتِثْنَاءً حَقِيقِيًّا، وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ مَوْصُولًا مَا يَكُونُ فِيهِ مَعْنَى الْبَيَانِ لِأَوَّلِ كَلَامِهِ، وَالْإِبْطَالُ لَيْسَ مِنْ الْبَيَانِ فِي شَيْءٍ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ.
قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَثْنَى أَكْثَرَ مِنْ الْأَلْفِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ اسْتِثْنَاءُ الْأَلْفِ مِنْ الْأَلْفِ فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ اسْتِثْنَاءُ الْأَلْفِ وَزِيَادَةً أَوْلَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ فِي الطَّلَاقِ) أَيْ فِي فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ. اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ لَفْظِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَإِنْ أَتَى عَلَى جَمِيعِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا هَؤُلَاءِ وَلَيْسَ لَهُ نِسَاءٌ إلَّا هَؤُلَاءِ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، وَلَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَطُلِّقْنَ كُلُّهُنَّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا عَبِيدِي لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَعَتَقُوا كُلُّهُمْ، وَلَوْ قَالَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ وَلَيْسَ لَهُ عَبِيدٌ غَيْرَ هَؤُلَاءِ لَمْ يُعْتَقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي إلَّا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَمَاتَ وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَلَوْ قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِفُلَانٍ إلَّا ثُلُثَ مَالِي كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَالِهِ وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
وَلَقَدْ أَفْصَحَ الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذَا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيْمَانِ الزِّيَادَاتِ حَيْثُ قَالَ: اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ إنَّمَا لَا يَصِحُّ إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِعَيْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ، أَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ ذَلِكَ اللَّفْظِ فَيَصِحُّ كَمَا إذَا: قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَلَوْ قَالَ إلَّا عَمْرَةَ وَزَيْنَبَ وَسُعَادَ حَتَّى أَتَى عَلَى الْكُلِّ صَحَّ انْتَهَى.
وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ هَاهُنَا: وَهَذَا الْفِقْهُ وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ فَيُبْتَنَى عَلَى صِحَّةِ اللَّفْظِ لَا عَلَى صِحَّةِ الْحُكْمِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ سِتَّ طَلْقَاتٍ إلَّا أَرْبَعًا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ حَتَّى يَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ السِّتُّ لَا صِحَّةَ لَهَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا مَزِيدَ لَهُ عَلَى الثَّلَاثِ وَمَعَ هَذَا لَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَرْبَعًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ تَتْبَعُ صِحَّةَ اللَّفْظِ دُونَ الْحُكْمِ. وَتَحْقِيقُهُ هُوَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَتَى وَقَعَ بِغَيْرِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ فَهُوَ يَصْلُحُ لِإِخْرَاجِ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ أَوْ لِلتَّكَلُّمِ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثَّنِيَّا لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ كُلًّا ضَرُورَةَ عَدَمِ مِلْكِهِ فِيمَا سِوَاهُ لَا لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى ذَاتِ اللَّفْظِ وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِلْكِهِ غَيْرُ هَذِهِ الْجَوَارِي أَوْ الْعَبِيدِ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ بِعَيْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِإِخْرَاجِ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ وَلَا لِلتَّكَلُّمِ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثَّنِيَّا فَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ فِي بَيَانِ الْفِقْهِ وَالتَّحْقِيقِ بِعَيْنِ تَحْرِيرِهِ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا وَلَكِنْ بِتَغْيِيرِ أُسْلُوبِ تَحْرِيرِهِ. أَقُولُ: التَّحْقِيقُ الَّذِي ذَكَرُوهُ مِمَّا لَا يُسَاعِدُهُ لَفْظُ الْمُصَنِّفِ فِي الزِّيَادَاتِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ: إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَتَى وَقَعَ بِغَيْرِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ فَهُوَ يَصْلُحُ لِإِخْرَاجِ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ أَوْ لِلتَّكَلُّمِ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثَّنِيَّا إنَّمَا يَتَمَشَّى عِنْدَ كَوْنِ غَيْرِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ أَخَصَّ مِنْ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ، وَأَمَّا عِنْدَ كَوْنِهِ مُسَاوِيًا لَهُ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ كَمَا لَوْ قَالَ نِسَائِي كَذَا إلَّا حَلَائِلِي أَوْ إلَّا أَزْوَاجِي، أَوْ كَوْنِهِ أَعَمَّ مِنْهُ بِحَسَبِهِ كَمَا لَوْ قَالَ هَؤُلَاءِ طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي فَلَا يَتَمَشَّى ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute