(وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا أَوْ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا قِيمَةَ الدِّينَارِ أَوْ الْقَفِيزِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَصِحُّ فِيهِمَا)
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَصِحُّ فِيهِمَا. وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ تَحْتَ اللَّفْظِ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي خِلَافِ الْجِنْسِ. وَلِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا اتَّحَدَا جِنْسًا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ.
قَطْعًا. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الزِّيَادَاتِ: أَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ ذَلِكَ اللَّفْظِ فَيَصِحُّ بِتَنَاوُلِ مَا كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ وَمَا كَانَ أَعَمَّ مِنْهُ أَيْضًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ ذَلِكَ اللَّفْظِ لَا عَيْنُهُ فَيَقْتَضِي أَنْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِمَا أَيْضًا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ أَنْ قَالَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَغْرِقُ بَاطِلٌ.
وَأَصْحَابُنَا قَيَّدُوهُ بِلَفْظِهِ أَوْ بِمَا يُسَاوِيهِ نَحْوُ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا عَبِيدِي أَوْ إلَّا مَمَالِيكِي لَكِنْ إذَا اسْتَثْنَى بِلَفْظٍ يَكُونُ أَخَصَّ مِنْهُ فِي الْمَفْهُومِ لَكِنْ فِي الْوُجُودِ يُسَاوِيهِ يَصِحُّ نَحْوَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ وَلَا عَبِيدَ لَهُ سِوَاهُمْ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ فِي أُصُولِهِ بَعْدَ أَنْ قَالَ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ: وَقَالَ مَشَايِخُنَا: هَذَا إذَا كَانَ بِلَفْظِهِ نَحْوُ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي، أَوْ بِمَا يُسَاوِيهِ نَحْوُ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا حَلَائِلِي أَوْ بِأَعَمَّ مِنْهُ، وَإِنْ اسْتَثْنَى بِلَفْظٍ يَكُونُ أَخَصَّ مِنْهُ فِي الْمَفْهُومِ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ يُسَاوِيهِ فِي الْوُجُودِ نَحْوُ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا زَيْنَبَ وَهِنْدَ وَبَكْرَةَ وَعَمْرَةَ أَوْ إلَّا هَؤُلَاءِ وَلَا نِسَاءَ لَهُ سِوَاهُنَّ حَتَّى لَا تَطْلُقَ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَرَّ نَقْلًا عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ عَدَمَ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى أَكْثَرَ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ: أَيْ أَعَمَّ مِنْهُ.
(وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا أَوْ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا قِيمَةَ الدِّينَارِ أَوْ الْقَفِيزِ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ يَعْنِي يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَيُطْرَحُ مِنْ الْمِائَةِ قِيمَةُ الدِّينَارِ أَوْ قِيمَةُ الْحِنْطَةِ. قَالَ الْمُصَنَّفُ (وَهَذَا) أَيْ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) اسْتِحْسَانًا (وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ) أَيْ مِائَةُ دِرْهَمٍ (إلَّا ثَوْبًا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ) قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَصِحُّ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَأَحْمَدُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَصِحُّ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ (لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ تَحْتَ اللَّفْظِ) يَعْنِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ فِي اللَّفْظِ وَهُوَ إخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا الِاسْتِثْنَاءُ لَكَانَ الْمُسْتَثْنَى دَاخِلًا تَحْتَ صَدْرِ الْكَلَامِ (وَهَذَا) الْمَعْنَى (لَا يَتَحَقَّقُ فِي خِلَافِ الْجِنْسِ) أَيْ فِي اسْتِثْنَاءِ خِلَافِ الْجِنْسِ، وَإِطْلَاقُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الْمُنْقَطِعِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ (وَلِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا) أَيْ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (اتَّحَدَا جِنْسًا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ) يَعْنِي أَنَّ الشَّرْطَ اتِّحَادُ الْجِنْسِ وَهُوَ مَوْجُودٌ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ فَانْتَفَى الْمَانِعُ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْمُقْتَضَيْ وَهُوَ التَّصَرُّفُ اللَّفْظِيُّ.
قَالَ فِي الْكَافِي: وَالْكَلَامُ مَعَ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي كَيْفِيَّةِ عَمَلِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَعِنْدَهُ الِاسْتِثْنَاءُ يَمْنَعُ الْحُكْمَ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ: أَيْ إنَّمَا امْتَنَعَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْمُسْتَثْنَى لِدَلِيلٍ مُعَارِضٍ كَدَلِيلِ الْخُصُوصِ فِي الْعَامِّ، فَتَقْدِيرُ قَوْلِهِ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا دِرْهَمًا فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيَّ، فَعَدَمُ لُزُومِ الدِّرْهَمِ لِلدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ لِأَوَّلِ كَلَامِهِ لَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالِاسْتِثْنَاءِ كَأَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ أَطْبَقُوا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ، وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْهُمْ أَنَّ لِلِاسْتِثْنَاءِ حُكْمًا يُعَارَضُ بِهِ حُكْمُ الصَّدْرِ، وَلِأَنَّ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ كَلِمَةُ تَوْحِيدٍ بِالِاتِّفَاقِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلِاسْتِثْنَاءِ حُكْمٌ يُضَادُّ حُكْمَ الصَّدْرِ لَكَانَ هَذَا نَفْيًا لِلشَّرِكَةِ لَا تَوْحِيدًا، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْأَصْلُ فَقَالَ: الْعَمَلُ بِدَلِيلِ الْمُعَارِضِ وَاجِبٌ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا لِلْمُجَانَسَةِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute