للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَّا ثُلُثَهَا أَوْ إلَّا بَيْتًا مِنْهَا لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِ لَفْظًا (وَلَوْ قَالَ بِنَاءُ هَذَا الدَّارِ لِي وَالْعَرْصَةُ لِفُلَانٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ) لِأَنَّ الْعَرْصَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْبُقْعَةِ دُونَ الْبِنَاءِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ بَيَاضُ هَذِهِ الْأَرْضِ دُونَ الْبِنَاءِ لِفُلَانٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَكَانُ الْعَرْصَةِ أَرْضًا حَيْثُ يَكُونُ الْبِنَاءُ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْأَرْضِ إقْرَارٌ بِالْبِنَاءِ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّارِ.

وَالْعَرْصَةَ.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لَكِنَّهُ يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْأَجْزَاءَ بِطَرِيقِ التَّضْمِينِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبِنَاءَ جُزْءٌ مِنْ مَعْنَى اسْمِ الدَّارِ، وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ مُخَالِفًا لِمَا قَالَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ اسْمَ الدَّارِ لَا يَتَنَاوَلُ الْبِنَاءَ لُغَةً يَقْتَضِي صِحَّةَ اسْتِثْنَاءِ الْبِنَاءِ لِنَفْسِهِ لِلْقَطْعِ بِصِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْجُزْءِ مِنْ الْكُلِّ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا وَاحِدًا. لَا يُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالتَّضْمِينِ مَعْنَى التَّبَعِيَّةِ لَا الْجُزْئِيَّةِ فَيَئُولُ إلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مَعَ إبَاءِ قَوْلِهِ هَذِهِ الْأَجْزَاءُ عَنْ ذَلِكَ التَّوْجِيهِ جِدًّا يَمْنَعُهُ قَوْلُهُ فِي تَنْظِيرِهِ بِمَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ بِالْخَاتَمِ بَلْ هُوَ اسْمٌ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ وَهُوَ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْحَلْقَةِ وَالْفَصِّ وَلَكِنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ بِطَرِيقِ التَّضْمِينِ، فَإِنَّهُ نَصٌّ فِي دُخُولِ الْفَصِّ كَالْحَلْقَةِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ دُونَ التَّبَعِيَّةِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الثِّقَاتِ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَّا ثُلُثَهَا) أَيْ إذَا قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا ثُلُثَهَا (أَوْ إلَّا بَيْتًا مِنْهَا) حَيْثُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَكُونُ لِلْمُقَرِّ لَهُ مَا عَدَا ثُلُثَ الدَّارِ وَمَا عَدَا الْبَيْتَ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الثُّلُثِ وَالْبَيْتِ (دَاخِلٌ فِيهِ) أَيْ فِي الصَّدْرِ الَّذِي هُوَ الدَّارُ (لَفْظًا) وَمَقْصُودًا حَتَّى لَوْ اُسْتُحِقَّ الْبَيْتُ فِي بَيْعِ الدَّارِ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ كَذَا قَالُوا. أَقُولُ: كَوْنُ الْبَيْتِ دَاخِلًا فِي الدَّارِ لَفْظًا وَمَقْصُودًا مُشْكِلٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ، وَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا بَعْدَمَا انْهَدَمَتْ وَصَارَتْ صَحْرَاءَ حَنِثَ، إذْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْبَيْتُ دَاخِلًا فِي الدَّارِ لَفْظًا وَمَقْصُودًا يَكُونُ جُزْءًا مِنْ مَدْلُولِ لَفْظِ الدَّارِ فَلَا يَكُونُ الدَّارُ حِينَئِذٍ اسْمًا لِلْعَرْصَةِ فَقَطْ بَلْ لِمَجْمُوعِ الْعَرْصَةِ وَالْبُيُوتِ، فَإِذَا انْهَدَمَتْ وَصَارَتْ صَحْرَاءَ لَزِمَ أَنْ تَنْعَدِمَ بِانْعِدَامِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا فَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ الْحِنْثِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ قَالَ هَاهُنَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى رُبْعَ الدَّارِ أَوْ ثُلُثَهَا أَوْ بَيْتًا مِنْهَا أَنَّهُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ فَكَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَصَحَّ انْتَهَى.

فَإِنَّ كَوْنَ الدَّارِ اسْمًا لِلْعَرْصَةِ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي صُورَةِ اسْتِثْنَاءِ الْبَيْتِ مِنْ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْعَرْصَةِ إذْ الْبَيْتُ اسْمٌ لِبِنَاءٍ مُسْقَفٍ لَهُ حَوَائِطُ أَرْبَعَةٌ عَلَى قَوْلٍ أَوْ ثَلَاثَةٌ عَلَى قَوْلٍ آخَرَ كَمَا عُرِفَ فِي الْأَيْمَانِ فِي مَسْأَلَةِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ صُفَّةً، وَالْعَرْصَةُ هِيَ الْبُقْعَةُ كَمَا سَيَأْتِي فَأَنَّى هَذِهِ مِنْ ذَلِكَ؟ فَمَا ذَكَرَهُ يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ لَا لَهُ فِي هَاتِيكَ الصُّورَةِ (وَلَوْ قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي وَالْعَرْصَةُ لِفُلَانٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ) وَهَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ أَيْضًا فِي مُخْتَصَرِهِ: يَعْنِي يَكُونُ الْبِنَاءُ لِلْمُقِرِّ وَالْعَرْصَةُ لِفُلَانٍ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ (لِأَنَّ الْعَرْصَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْبُقْعَةِ دُونَ الْبِنَاءِ) يَعْنِي أَنَّ الْعَرْصَةَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةُ عَنْ بُقْعَةٍ لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ، فَلَمَّا اُعْتُبِرَ فِي مَعْنَاهَا الْخُلُوُّ عَنْ الْبِنَاءِ لَمْ يَتْبَعْهَا الْبِنَاءُ فِي الْحُكْمِ (فَكَأَنَّهُ قَالَ: بَيَاضُ هَذِهِ الْأَرْضِ دُونَ الْبِنَاءِ لِفُلَانٍ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَكَانَ الْعَرْصَةِ أَرْضًا) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي وَالْأَرْضُ لِفُلَانٍ (حَيْثُ يَكُونُ الْبِنَاءُ لِلْمُقَرِّ لَهُ) مَعَ الْأَرْضِ (لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْأَرْضِ إقْرَارٌ بِالْبِنَاءِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ أَصْلٌ وَالْبِنَاءَ تَبَعٌ، وَالْإِقْرَارَ إقْرَارٌ بِالتَّبَعِ (كَالْإِقْرَارِ بِالدَّارِ) حَيْثُ يَكُونُ الْبِنَاءُ أَيْضًا لِلْمُقَرِّ لَهُ هُنَاكَ وَإِنْ اسْتَثْنَاهُ لِنَفْسِهِ كَمَا مَرَّ. فَإِنْ قُلْت: يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ قَالَ الْبِنَاءُ لِفُلَانٍ وَالْأَرْضُ لِآخَرَ فَإِنَّهُ كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>