للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ اشْتَرَيْته مِنْهُ وَلَمْ أَقْبِضْهُ، فَإِنْ ذَكَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ قِيلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ إنْ شِئْت فَسَلِّمْ الْعَبْدَ وَخُذْ الْأَلْفَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَك) قَالَ: وَهَذَا عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا هَذَا وَهُوَ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيُسَلِّمَ الْعَبْدَ، وَجَوَابُهُ مَا ذُكِرَ،

قَالَ حَتَّى يَكُونُ الْبِنَاءُ لِلْأَوَّلِ وَالْأَرْضُ لِلثَّانِي، وَلَمْ يَقُلْ هُنَاكَ الْإِقْرَارُ بِالْأَرْضِ إقْرَارٌ بِالْبِنَاءِ فَمَا وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا؟ قُلْت: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ فِيمَا أَوْرَدْت إقْرَارٌ مُعْتَبَرٌ بِالْبِنَاءِ لِلْأَوَّلِ فَهَبْ أَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ إقْرَارٌ بِالْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ لَكِنَّ إقْرَارَهُ فِيمَا صَارَ مُسْتَحَقًّا لِغَيْرِهِ لَا يَصِحُّ فَكَانَ لِلثَّانِي الْأَرْضُ خَاصَّةً، وَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَآخِرُ كَلَامِهِ إقْرَارٌ بِالْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ وَهُمَا جَمِيعًا مِلْكُهُ فَصَحَّ إقْرَارُهُ بِهِمَا لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَذْكُرَهُ فَبَقِيَ قَوْلُهُ وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ، وَالْإِقْرَارُ بِالْأَصْلِ يُوجِبُ ثُبُوتَ حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ فِي التَّبَعِ.

تَوْضِيحُ الْفَرْقِ أَنَّ الْبِنَاءَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لَمَّا صَارَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ حُكْمًا فَإِقْرَارُهُ بِالْأَرْضِ لِلثَّانِي بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْبِنَاءِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْبِنَاءُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمُقِرِّ فَكَانَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ، فَإِقْرَارُهُ بِالْأَرْضِ يُثْبِتُ الْحَقَّ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِي الْبِنَاءِ تَبَعًا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْجِنْسَ خَمْسُ مَسَائِلَ وَتَخْرِيجُهَا عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ بَعْدَ الدَّعْوَى صَحِيحٌ دُونَ الْعَكْسِ. وَالثَّانِي أَنَّ إقْرَارَ الْإِنْسَانِ حُجَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى غَيْرِهِ.

إذَا عَرَفْت هَذَا فَنَقُولُ: إذَا قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ لِفُلَانٍ؛ لِأَنَّ بِقَوْلِهِ: الْبِنَاءُ لِي ادَّعَى الْبِنَاءَ وَبِقَوْلِهِ: الْأَرْضُ لِفُلَانٍ أَقَرَّ لِفُلَانٍ بِالْبِنَاءِ تَبَعًا لِلْإِقْرَارِ بِالْأَرْضِ، وَالْإِقْرَارُ بَعْدَ الدَّعْوَى صَحِيحٌ.

وَإِذَا قَالَ أَرْضُهَا لِي وَبِنَاؤُهَا لِفُلَانٍ فَهُوَ عَلَى مَا أَقَرَّ لِأَنَّ بِقَوْلِهِ أَرْضُهَا لِي ادَّعَى الْبِنَاءَ لِنَفْسِهِ تَبَعًا وَبِقَوْلِهِ: وَالْبِنَاءُ لِفُلَانٍ أَقَرَّ بِالْبِنَاءِ لِفُلَانٍ، وَالْإِقْرَارُ بَعْدَ الدَّعْوَى صَحِيحٌ، وَيُؤْمَرُ الْمُقَرُّ لَهُ بِنَقْلِ الْبِنَاءِ مِنْ أَرْضِهِ. وَإِذَا قَالَ أَرْضُ هَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ وَبِنَاؤُهَا لِي فَالْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ بِقَوْلِهِ: أَرْضُهَا لِفُلَانٍ أَقَرَّ لِفُلَانٍ بِالْبِنَاءِ تَبَعًا وَبِقَوْلِهِ وَبِنَاؤُهَا لِي ادَّعَى الْبِنَاءَ لِنَفْسِهِ، وَالدَّعْوَى بَعْدَ الْإِقْرَارِ لَا تَصِحُّ وَإِذَا قَالَ: أَرْضُ هَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ وَبِنَاؤُهَا لِفُلَانٍ آخَرَ فَالْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ بِقَوْلِهِ: أَرْضُ هَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ صَارَ مُقِرًّا لِفُلَانٍ بِالْبِنَاءِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ وَبِقَوْلِهِ وَبِنَاؤُهَا لِفُلَانٍ آخَرَ كَانَ مُقِرًّا عَلَى الْأَوَّلِ، وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَصِحُّ. وَإِذَا قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ آخَرَ فَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا بِنَاءُ هَذَا الدَّارِ لِفُلَانٍ صَارَ مُقِرًّا بِالْبِنَاءِ لَهُ وَبِقَوْلِهِ وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ آخَرَ صَارَ مُقِرًّا عَلَى الْأَوَّلِ بِالْبِنَاءِ لِلثَّانِي، وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ بَاطِلٌ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

(وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ وَلَمْ أَقْبِضْهُ، فَإِنْ ذَكَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ قِيلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ: إنْ شِئْت فَسَلِّمْ الْعَبْدَ وَخُذْ الْأَلْفَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَك) إلَى هُنَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ (قَالَ) أَيْ قَالَ الْمُصَنِّفُ : (هَذَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ (عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا هَذَا) أَيْ هَذَا الْوَجْهُ (وَهُوَ أَنْ يُصَدِّقَهُ) أَيْ أَنْ يُصَدِّقَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ (وَيُسَلِّمَ الْعَبْدَ، وَجَوَابُهُ) أَيْ جَوَابُ هَذَا الْوَجْهِ (مَا ذُكِرَ) مِنْ قَوْلِهِ قِيلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ إنْ شِئْت فَسَلِّمْ الْعَبْدَ وَخُذْ الْأَلْفَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَك. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ الْعَبْدَ كَيْفَ يُقَالُ لَهُ: إنْ شِئْت فَسَلِّمْ الْعَبْدَ إلَخْ. أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا يُتَّجَهُ أَنْ لَوْ كَانَ لَفْظُ يُسَلِّمُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُسَلِّمُ الْعَبْدَ مَنْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَنْ سَلَّمَهُ لَهُ: أَيْ جَعَلَهُ سَالِمًا لَهُ فَلَا؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ الْعَبْدِ لِلْمُقِرِّ إنَّمَا تَحْصُلُ بِاعْتِرَافِ الْمُقَرِّ لَهُ بِأَنَّهُ عَبْدُك لَا عَبْدِي، وَقَدْ يَتَحَقَّقُ هَذَا قَبْلَ تَسْلِيمِ الْعَبْدِ إلَى الْمُقِرِّ فَلَا يُنَافِي أَنْ يُقَالَ لَهُ إنْ شِئْت فَسَلِّمْ الْعَبْدَ إلَخْ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ سَلَّمَهُ لَهُ مُرَادًا بِهِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ. وَهَذَا وَمَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ بَابِ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ حَيْثُ قَالَ: فَلَوْ سَلَّمَ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>