لِأَنَّ الثَّابِتَ بِتَصَادُقِهِمَا كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً.
وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ الْمُقَرُّ لَهُ: الْعَبْدُ عَبْدُك مَا بِعْتُكَهُ وَإِنَّمَا بِعْتُك عَبْدًا غَيْرَ هَذَا وَفِيهِ الْمَالُ لَازِمٌ عَلَى الْمُقِرِّ لِإِقْرَارِهِ بِهِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْعَبْدِ لَهُ وَقَدْ سَلَّمَ فَلَا يُبَالَى بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ. وَالثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ عَبْدِي
مَا قَبَضَ ثُمَّ تَوَى مَا عَلَى الْغَرِيمِ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْقَابِضَ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالتَّسْلِيمِ لِيُسَلِّمَ لَهُ مَا فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ وَلَمْ يُسَلِّمْ انْتَهَى. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ يُسَلِّمُ هَاهُنَا ثُلَاثِيًّا مِنْ السَّلَامَةِ لَا مِنْ التَّسْلِيمِ وَيَكُونَ الْعَبْدُ فَاعِلًا لَا مَفْعُولًا فَحِينَئِذٍ لَا يُتَوَهَّمُ الْمُنَافَاةُ أَصْلًا.
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ جَوَابِ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ (لِأَنَّ الثَّابِتَ بِتَصَادُقِهِمَا كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً) يَعْنِي أَنَّهُمَا تَصَادَقَا فِي هَذَا الْوَجْهِ، وَالثَّابِتُ بِتَصَادُقِهِمَا كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً. وَلَوْ عَايَنَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ وَالْعَبْدُ فِي يَدِهِ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ كَذَا هَاهُنَا. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا تَصَادَقَا وَثَبَتَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ شَرْطٍ فَالْحُكْمُ الْأَمْرُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُقِرِّ ثُمَّ بِتَسْلِيمِ الْعَبْدِ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ مَا إذَا ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ عَلَى الْمُقِرِّ، وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ، فَإِنْ حَكَمْنَا بِذَلِكَ كَانَ حُكْمًا بِمَا لَا يَدَّعِيهِ أَحَدٌ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَطَعَنَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي جَوَابِهِ بِأَنْ قَالَ: وَلَيْتَ شِعْرِي أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ حُكْمُ أَيَّةِ مَسْأَلَةٍ انْتَهَى.
أَقُولُ: مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ حُكْمُ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ، فَإِنَّ نَفْسَ الْإِقْرَارِ وَالتَّصَادُقِ لَا يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُقِرِّ وَلَا الْحُكْمَ بِتَسْلِيمِ الْعَبْدِ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْحُكْمَيْنِ الْمَذْكُورِينَ مُقْتَضَى الدَّعْوَى وَلَا دَعْوَى فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، بَلْ فِيهِ إقْرَارٌ مَحْضٌ، وَحُكْمُهُ لُزُومُ الْأَلْفِ عَلَى الْمُقِرِّ إنْ سَلَّمَ الْمُقَرُّ لَهُ الْعَبْدَ إلَيْهِ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ بِأَنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي ثُبُوتِ الْبَيْعِ مُعَايَنَةً، وَهَذَا مَعْنَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ.
قِيلَ: لِلْمُقَرَّ لَهُ إنْ شِئْت فَسَلِّمْ الْعَبْدَ وَخُذْ الْأَلْفَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَك، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ إنْ شِئْت فَسَلِّمْ الْعَبْدَ تَخْيِيرَ الْمُقَرِّ لَهُ بَيْنَ تَسْلِيمِ الْعَبْدِ وَعَدَمِ تَسْلِيمِهِ، إذْ لَا يَقْدِرُ الْبَائِعُ عَلَى عَدَمِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ أَنْ صَحَّ الْبَيْعُ وَتَمَّ، بَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ لُزُومَ الْأَلْفِ عَلَى الْمُقِرِّ مَشْرُوطٌ بِتَسْلِيمِك الْعَبْدَ إلَيْهِ، فَإِنْ أَرَدْت الْوُصُولَ إلَى حَقِّك فَسَلِّمْ الْعَبْدَ وَلَا تُضَيِّعْهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَخُذْ الْأَلْفَ خُذْ الْأَلْفَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْعَبْدِ، إذْ لَا دَلَالَةَ عَلَى التَّعْقِيبِ فِي الْوَاوِ بَلْ هِيَ لِلْجَمْعِ مُطْلَقًا فَلَا يُخَالِفُ مَا تَقَرَّرَ فِي الْبُيُوعِ مِنْ أَنَّ اللَّازِمَ فِي بَيْعِ سِلْعَةٍ بِثَمَنٍ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ أَوَّلًا، فَخُلَاصَةُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ هَاهُنَا مَا قَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ سَلَّمَ الْمُقَرُّ لَهُ لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَإِلَّا لَا (وَالثَّانِي) أَيْ الْوَجْهُ الثَّانِي (أَيْ يَقُولُ الْمُقَرُّ لَهُ: الْعَبْدُ عَبْدُك) أَيْ الْعَبْدُ الَّذِي عَيَّنْته عَبْدُك (مَا بِعْتُكَهُ وَإِنَّمَا بِعْتُك عَبْدًا غَيْرَ هَذَا)
وَسَلَّمْته إلَيْك (وَفِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْوَجْهِ (الْمَالُ لَازِمٌ عَلَى الْمُقِرِّ لِإِقْرَارِهِ بِهِ) أَيْ بِالْمَالِ (عِنْدَ سَلَامَةِ الْعَبْدِ لَهُ وَقَدْ سُلِّمَ) أَيْ وَقَدْ سُلِّمَ الْعَبْدُ لَهُ حِينَ اعْتَرَفَ الْمُقَرُّ لَهُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ (فَلَا يُبَالَى بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ) كَمَا لَوْ قَالَ: لَك عَلَيَّ أَلْفٌ غَصَبْته مِنْك وَقَالَ: لَا بَلْ اسْتَقْرَضْت مِنِّي لِأَنَّ الْأَسْبَابَ مَطْلُوبَةٌ لِأَحْكَامِهَا لَا لِأَعْيَانِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ التَّكَاذُبُ فِي السَّبَبِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى وُجُوبِ أَصْلِ الْمَالِ، وَلَا تَفَاوُتَ فِي هَذَا الْوَجْهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ أَوْ فِي يَدِ الْمُقَرِّ لَهُ، كَذَا قَالُوا (وَالثَّالِثُ) أَيْ الْوَجْهُ الثَّالِثُ (أَنْ يَقُولَ) أَيْ الْمُقَرُّ لَهُ (الْعَبْدُ عَبْدِي) أَيْ الْعَبْدُ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute