للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَمْتَنِعُ وُجُوبُ نَقْدِ الثَّمَنِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ رُجُوعًا فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ وَصَلَ صُدِّقَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ إذَا أَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ مَتَاعًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ وَبَيَّنَ سَبَبًا وَهُوَ الْبَيْعُ، فَإِنْ وَافَقَهُ الطَّالِبُ فِي السَّبَبِ وَبِهِ لَا يَتَأَكَّدُ الْوُجُوبُ إلَّا بِالْقَبْضِ،

الْمَبِيعِ: أَيْ تَجْعَلُ الْمَبِيعَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَجْهُولِ (فَيَمْتَنِعُ وُجُوبُ نَقْدِ الثَّمَنِ) لِأَنَّ نَقْدَ الثَّمَنِ لَا يَجِبُ إلَّا بِإِحْضَارِ الْمَبِيعِ وَقَدْ امْتَنَعَ إحْضَارُهُ بِالْجَهَالَةِ فَامْتَنَعَ وُجُوبُ نَقْدِ الثَّمَنِ أَيْضًا (وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ رُجُوعًا) فَإِنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ إقْرَارٌ بِوُجُوبِ الثَّمَنِ وَآخِرَهُ يُوجِبُ سُقُوطَهُ، وَذَلِكَ رُجُوعٌ (فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا) لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بَاطِلٌ مَفْصُولًا كَانَ أَوْ مَوْصُولًا.

أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يُشْكِلُ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ هَاهُنَا مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَسْأَلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ لَمْ يُلْزِمْ الْمُقِرَّ هُنَاكَ شَيْئًا بِالِاتِّفَاقِ مَعَ جَرَيَانِ خُلَاصَةِ هَذَا التَّعْلِيلِ هُنَاكَ أَيْضًا بِأَنْ يُقَالَ: إنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ إقْرَارٌ بِوُجُوبِ الْمَالِ رُجُوعًا إلَى كَلِمَةِ عَلَيَّ، وَآخِرَهُ يُنَافِي الْوُجُوبَ أَصْلًا فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ رُجُوعًا فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ مَا لَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ بِقَوْلِهِ قُلْنَا ذَاكَ تَعْلِيقٌ وَهَذَا إبْطَالٌ، وَسَنَذْكُرُ تَتِمَّةَ الْكَلَامِ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ أَوْرَدَ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ الْمَزْبُورِ كَلَامًا آخَرَ، وَأَجَابَ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ: فِي تَمَامِ التَّقْرِيبِ كَلَامٌ، فَإِنَّ ارْتِفَاعَ الْجَهَالَةِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِالْقَبْضِ بَلْ بِاعْتِرَافِ الْمُشْتَرِي بِأَنَّهُ هَذَا وَإِحْضَارِ الْبَائِعِ فَلْيُتَأَمَّلْ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الظَّاهِرُ هُوَ عَدَمُ الِاعْتِرَافِ فَيَبْقَى عَلَى الْجَهَالَةِ انْتَهَى.

أَقُولُ: لَا الْإِيرَادُ بِشَيْءٍ وَلَا الْجَوَابُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُقِرَّ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمَّا لَمْ يُعَيِّنْ الْعَبْدَ فَصَارَ مَجْهُولًا لَمْ يُكَلَّفْ الْمُقَرُّ لَهُ بِإِحْضَارِ ذَلِكَ أَصْلًا، بَلْ لَمْ يُمْكِنْ لَهُ إحْضَارُهُ لِتَعَذُّرِ إحْضَارِ الْمَجْهُولِ فَأَنَّى يُتَصَوَّرُ إحْضَارُ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ هَاهُنَا حَتَّى يَعْتَرِفَ الْمُشْتَرِي بِأَنَّهُ هَذَا، وَإِنْ أَحْضَرَ الْمُقَرُّ لَهُ عَبْدًا بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفٍ وَاعْتَرَفَ الْمُقِرُّ بِأَنَّ مَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ هَذَا الْعَبْدُ فَقَدْ صَارَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ قَبِيلِ مَا إذَا ذَكَرَ الْمُقِرُّ عَبْدًا بِعَيْنِهِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ بِمَعْزِلٍ عَنْهُ.

وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الظَّاهِرُ هُوَ عَدَمُ الِاعْتِرَافِ وَقَدْ لَزِمَهُ الْأَلْفُ بِلَا عِوَضٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ الْبَائِعُ شَيْئًا، فَهَلْ يُؤْثِرُ الْعَاقِلُ إعْطَاءَ الْأَلْفِ بِلَا عِوَضٍ عَلَى إعْطَائِهِ بِمُقَابَلَةِ مَا أَحْضَرَهُ الْبَائِعُ، فَالظَّاهِرُ هُوَ الِاعْتِرَافُ عِنْدَ إحْضَارِهِ بِلَا رِيَبٍ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنْ وَصَلَ صُدِّقَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ إذَا أَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ) أَيْ إذَا كَذَّبَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ فِي الْجِهَةِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْأَلْفُ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ (وَإِنْ أَقَرَّ) أَيْ إنْ أَقَرَّ الْمُقَرُّ لَهُ (أَنَّهُ) أَيْ الْمُقَرَّ لَهُ (بَاعَهُ) أَيْ بَاعَ الْمُقِرَّ (مَتَاعًا) يَعْنِي إنْ صَدَّقَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ فِي الْجِهَةِ بِأَنْ قَالَ: إنَّهُ بَاعَهُ مَتَاعًا وَهُوَ الْعَبْدُ كَمَا أَقَرَّ بِهِ الْمُقِرُّ، وَلَكِنْ كَذَّبَهُ فِي إنْكَارِهِ قَبْضَ الْمَبِيعِ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ) سَوَاءٌ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ.

وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا عَنْ الْمَبِيعِ بِالْمَتَاعِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ مَتَاعًا وَقَدْ كَانَ وَضَعَ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ فِي الْعَبْدِ لِيَعْلَمَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَتَاعِ مُطْلَقًا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْعَبْدِ (وَوَجْهُ ذَلِكَ) أَيْ وَجْهُ مَا قَالَهُ الْإِمَامَانِ (أَنَّهُ) أَيْ الْمُقِرَّ (أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى نَفْسِهِ حَيْثُ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ (وَبَيَّنَ سَبَبًا) لَهُ (وَهُوَ الْبَيْعُ) حَيْثُ قَالَ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ (فَإِنْ وَافَقَهُ الطَّالِبُ) يَعْنِي الْمُقَرَّ لَهُ (فِي السَّبَبِ) وَهُوَ الْبَيْعُ (وَبِهِ لَا يَتَأَكَّدُ الْوُجُوبُ إلَّا بِالْقَبْضِ) أَيْ وَبِمُجَرَّدِ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ الْبَيْعُ لَا يَتَأَكَّدُ وُجُوبُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ فِي حَيِّزِ التَّزَلْزُلِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَهْلِكُ الْمَبِيعُ فِي يَدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>