للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُقِرُّ يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي السَّبَبِ كَانَ هَذَا مِنْ الْمُقِرِّ بَيَانًا مُغَيِّرًا لِأَنَّ صَدْرَ كَلَامِهِ لِلْوُجُوبِ مُطْلَقًا وَآخِرُهُ يَحْتَمِلُ انْتِفَاءَهُ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ الْقَبْضِ وَالْمُغَيِّرُ يَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا.

(وَلَوْ قَالَ ابْتَعْتُ مِنْهُ بَيْعًا إلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْبَيْعِ الْقَبْضُ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِ الثَّمَنِ.

الْبَائِعِ فَيَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا يَتَأَكَّدُ بِالْقَبْضِ وَالْمُقَرُّ لَهُ يَدَّعِي الْقَبْضَ (وَالْمُقِرُّ يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلْمُنْكِرِ.

قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ وَافَقَهُ الطَّالِبُ فِي السَّبَبِ شَرْطٌ فَلَا بُدَّ مِنْ جَوَابٍ، وَقَوْلُهُ وَبِهِ لَا يَتَأَكَّدُ الْوُجُوبُ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فَيَكُونُ لِوُجُودِ الْفَاءِ وَلِعَدَمِ الرَّبْطِ، فَإِنَّك لَوْ قَدَّرْت كَلَامَهُ فَإِنْ وَافَقَهُ الطَّالِبُ فِي السَّبَبِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ فِي بَيَانِ التَّعْلِيلِ وَلَيْسَ فِيهِ إشْعَارٌ بِذَلِكَ وَقَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ جَزَاؤُهُ مَحْذُوفٌ وَتَقْدِيرُهُ فَإِنْ وَافَقَهُ الطَّالِبُ فِي السَّبَبِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ السَّبَبِ لَا يَتَأَكَّدُ لَكِنَّهُ يَتَأَكَّدُ بِالْقَبْضِ كَانَ الطَّالِبُ مُدَّعِيًا لِلْقَبْضِ وَالْمُقِرُّ يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ انْتَهَى كَلَامُهُ.

أَقُولُ: النَّظَرُ الْمَزْبُورُ سَاقِطٌ جِدًّا، فَإِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ صَالِحٌ لَأَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِلشَّرْطِ الْمَذْكُورِ قَطْعًا، وَوُجُودُ الْفَاءِ فِيهِ لَيْسَ بِمَانِعٍ عَنْهُ أَصْلًا، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ أَنَّ الْجَزَاءَ إذَا كَانَ مُضَارِعًا مُثْبَتًا أَوْ مَنْفِيًّا بِلَا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ: دُخُولُ الْفَاءِ عَلَيْهِ وَعَدَمُ دُخُولِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ﴾ وَعَدَمُ الرَّبْطِ فِيهِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ وَبِهِ لَا يَتَأَكَّدُ الْوُجُوبُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَالْمُقِرُّ يُنْكِرُهُ وَقَعَ قَيْدًا لِلشَّرْطِ الْمَزْبُورِ فَصَارَ مَعْنَى الْكَلَامِ فَإِنْ وَافَقَهُ الطَّالِبُ فِي السَّبَبِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ السَّبَبِ لَا يَتَأَكَّدُ وُجُوبُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا يَتَأَكَّدُ بِالْقَبْضِ وَالْمُقِرُّ يُنْكِرُ الْقَبْضَ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ.

وَلَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ قَوْلَهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ مَرْبُوطًا بِالشَّرْطِ الْمَزْبُورِ مُقَيَّدًا بِالْقَيْدِ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَرْبُوطًا بِهِ عَارِيًّا عَنْ ذَلِكَ الْقَيْدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ جَزَاءٍ مَحْذُوفٍ كَمَا تَمَحَّلَهُ ذَلِكَ الشَّارِحُ (وَإِنْ كَذَّبَهُ) أَيْ وَإِنْ كَذَّبَ الطَّالِبُ الْمُقِرَّ (فِي السَّبَبِ كَانَ هَذَا مِنْ الْمُقِرِّ بَيَانًا مُغَيِّرًا لِأَنَّ صَدْرَ كَلَامِهِ) وَهُوَ قَوْلُهُ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ (لِلْوُجُوبِ مُطْلَقًا) رُجُوعًا عَنْ كَلِمَةِ عَلَيَّ (وَآخِرُهُ) أَيْ آخِرُ كَلَامِهِ (يَحْتَمِلُ انْتِفَاءَهُ) أَيْ انْتِفَاءَ الْوُجُوبِ (عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ الْقَبْضِ) فَصَارَ مُغَيِّرًا لِمُقْتَضَى أَوَّلِ كَلَامِهِ (وَالْمُغَيِّرُ يَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا) كَالِاسْتِثْنَاءِ.

(وَلَوْ قَالَ ابْتَعْت مِنْهُ بَيْعًا) أَيْ مَبِيعًا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: عَيْنًا (إلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ الْمُقِرِّ (بِالْإِجْمَاعِ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَفْرِيعًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ وَقَالَ فِي تَعْلِيلِهَا (لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْبَيْعِ الْقَبْضُ) يَعْنِي أَنَّ الْمُقِرَّ هَاهُنَا إنَّمَا أَقَرَّ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعَقْدِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ، إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْبَيْعِ قَبْضُ الْمَبِيعِ حَتَّى يَجِبَ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي (بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِ الثَّمَنِ) فَإِنَّ مِنْ ضَرُورَتِهِ الْقَبْضَ.

قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>