قَالَ (وَكَذَا لَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ (لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَلَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ) لِأَنَّهُ رُجُوعٌ لِأَنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا وَأَوَّلُ كَلَامِهِ لِلْوُجُوبِ (وَقَالَا: إذَا وَصَلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ بَيَّنَ بِآخِرِ كَلَامِهِ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِهِ الْإِيجَابَ وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ فِي آخِرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
قُلْنَا: ذَاكَ تَعْلِيقٌ وَهَذَا إبْطَالٌ.
مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ أَنْ لَوْ وَجَبَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ أَوَّلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ انْتَهَى. أَقُولُ: وَهَذَا النَّظَرُ أَيْضًا سَاقِطٌ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا هُوَ الْإِقْرَارُ بِوُجُوبِ الثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ الْغَيْرِ الْمُعَيَّنِ، إذْ هُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ الْمُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ إنْكَارَ الْقَبْضِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ يُنَافِي الْوُجُوبَ أَصْلًا، فَلَا بُدَّ فِي نَفَاذِ الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِ الثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ الْغَيْرِ الْمُعَيَّنِ مِنْ قَبْضِهِ فَكَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ الْقَبْضُ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَكَذَا لَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ) أَيْ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْقُدُورِيُّ (إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَلَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ تَفْسِيرَهُ رُجُوعٌ عَنْ إقْرَارِهِ (لِأَنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا) عَلَى الْمُسْلِمِ (وَأَوَّلُ كَلَامِهِ) وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيَّ الْأَلْفُ (لِلْوُجُوبِ) وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بَاطِلٌ (وَقَالَا) أَيْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (إذَا وَصَلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُقِرَّ (بَيَّنَ بِآخِرِ كَلَامِهِ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِهِ) أَيْ بِأَوَّلِ كَلَامِهِ (الْإِيجَابَ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَنَى إقْرَارَهُ عَلَى عَادَةِ الْفَسَقَةِ، فَإِنَّ الْخَمْرَ مَالٌ يَجْرِي فِيهِ الشُّحُّ وَالضِّنَةُ وَقَدْ اعْتَادَ الْفَسَقَةُ شِرَاءَهَا وَأَدَاءَ ثَمَنِهَا فَكَانَ آخِرُ كَلَامِهِ بَيَانًا مُغَيِّرًا فَيَصِحُّ مَوْصُولًا، كَذَا فِي الشُّرُوحِ.
أَقُولُ: هَذَا لَا يَتَمَشَّى فِيمَا إذَا قَالَ مِنْ ثَمَنِ خِنْزِيرٍ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْ يَبْنِيَ إقْرَارَهُ عَلَى عَادَةِ الْفَسَقَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي صُورَةِ أَنْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ، إذْ لَا يَقَعُ مِنْهُمْ شِرَاءُ الْخِنْزِيرِ وَلَا أَدَاءُ ثَمَنِهِ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ اعْتِيَادِهِمْ بِذَلِكَ، وَأَمَّا عَادَةُ الْكُفَّارِ فَلَا تَصْلُحُ لَأَنْ تُجْعَلَ مَبْنَى الْكَلَامِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُسْلِمِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَالدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا مِنْ قَبْلِهِمَا مَسُوقٌ لِلصُّورَتَيْنِ مَعًا فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ (وَصَارَ) أَيْ صَارَ آخِرُ كَلَامِهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (كَمَا إذَا قَالَ فِي آخِرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ) فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ هُنَاكَ إذَا وَصَلَ فَكَذَا هَاهُنَا. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذَا الْقِيَاسِ بِقَوْلِهِ (قُلْنَا ذَاكَ تَعْلِيقٌ وَهَذَا إبْطَالٌ) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ، وَالتَّعْلِيقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute