للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ أَوْ قَالَ أَقْرَضَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ جِيَادٌ لَزِمَهُ الْجِيَادُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: إنْ قَالَ مَوْصُولًا يُصَدَّقُ، وَإِنْ قَالَ مَفْصُولًا لَا يُصَدَّقُ)

وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ هِيَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ،

بِالشَّرْطِ مِنْ بَابِ بَيَانِ التَّغْيِيرِ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ إبْطَالٌ وَالْإِبْطَالُ لَا يَكُونُ بَيَانًا فَلَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا.

أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ إمَّا إبْطَالٌ أَوْ تَعْلِيقٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا هُنَاكَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَالثَّانِيَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ، فَأَيَّا مَا كَانَ لَا يَكُونُ هَذَا الْجَوَابُ حُجَّةً عَلَى مَنْ قَالَ مِنْهُمَا يَكُونُ ذَاكَ أَيْضًا إبْطَالًا. وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ هُنَاكَ: فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ: يَعْنِي الْإِبْطَالَ فَقَدْ بَطَلَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي: يَعْنِي التَّعْلِيقَ فَكَذَلِكَ، إمَّا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ، أَوْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الطَّلَاقِ فَحَصَلَ مِنْهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا فِي أَصْلِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بَلْ هُوَ إبْطَالٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَكَيْفَ يَتِمُّ قَوْلُهُ هَاهُنَا ذَاكَ تَعْلِيقٌ وَهَذَا إبْطَالٌ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ هَاهُنَا مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ إلْزَامِيًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ قَالَ مِنْهُمَا يَكُونُ ذَلِكَ إبْطَالًا، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ إلْزَامِيًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ تَعْلِيقًا حَقِيقَةً، إلَّا أَنَّهُ فِي صُورَةِ التَّعْلِيقِ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَكْفِي فِي قَدْحِ قِيَاسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَسْأَلَةِ مَا إذَا قَالَ فِي آخِرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ بِتَعْلِيقٍ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى، وَإِنَّمَا هِيَ إبْطَالٌ مَحْضٌ، وَأَمَّا تِلْكَ الْمَسْأَلَةُ فَتَعْلِيقٌ صُورَةً وَإِنْ كَانَتْ إبْطَالًا مَعْنًى فَافْتَرَقَتَا، تَأَمَّلْ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُدُورِيَّ لَمْ يَذْكُرْ فِي مُخْتَصَرِهِ خِلَافًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي فَأَخَذَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِيمَا إذَا كَذَّبَهُ الطَّالِبُ، وَأَمَّا إذَا صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي قَوْلِهِ جَمِيعًا لِأَنَّ الثَّابِتَ بِتَصَادُقِهِمَا كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا قَالَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ، صَرَّحَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ.

(وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ) أَيْ أَلْفُ دِرْهَمٍ (مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ أَوْ قَالَ أَقْرَضَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ) جَمْعُ زَيْفٍ وَهُوَ مَا يَقْبَلُهُ التُّجَّارُ وَيَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ (أَوْ نَبَهْرَجَةٌ) وَهِيَ دُونَ الزُّيُوفِ فَإِنَّهَا مِمَّا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ أَيْضًا (وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ جِيَادٌ لَزِمَهُ الْجِيَادُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا) أَيْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ (إنْ قَالَا مَوْصُولًا) أَيْ إنْ ذَكَرَ قَوْلَهُ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ مَوْصُولًا بِكَلَامِهِ السَّابِقِ (يُصَدَّقُ، وَإِنْ قَالَ مَفْصُولًا) أَيْ إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ مَفْصُولًا عَنْهُ (لَا يُصَدَّقُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.

أَقُولُ: تَحْرِيرُهَا عَلَى النَّمَطِ الْمَذْكُورِ لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ قُصُورٍ، فَإِنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَلْزَمَهُ الْجِيَادُ سَوَاءٌ وَصَلَ قَوْلَهُ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ أَمْ فَصَلَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَيَقْتَضِيهِ بَيَانُ الْخِلَافِ، إلَّا أَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ قَالَ: هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ يَدُلُّ عَلَى الْفَصْلِ كَمَا لَا يَخْفَى فَتُوُهِّمَ اخْتِصَاصُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِصُورَةِ الْفَصْلِ وَلَا خِلَافَ فِيهَا بَيْنَ صَاحِبَيْهِ، فَالظَّاهِرُ أَنْ يَذْكُرَ الْوَاوَ بَدَلَ ثُمَّ كَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ فِي بَابِ الْقَرَارِ بِالزُّيُوفِ: وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ دَيْنٍ مِنْ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ وَادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: وَإِنْ وَصَلَ يُصَدَّقْ، وَإِنْ فَصَلَ لَا يُصَدَّقْ.

وَهَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَعَلَى هَذَا نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ هِيَ) أَيْ الْأَلْفُ (سَتُّوقَةٌ) وَهِيَ أَرْدَأُ مِنْ النَّبَهْرَجَةِ (أَوْ رَصَاصٌ) أَيْ أَوْ قَالَ هِيَ رَصَاصٌ فَلَا يُصَدَّقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ وَيُصَدَّقُ عِنْدَهُمَا إنْ وَصَلَ، وَلَكِنْ هَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ لَا يُصَدَّقُ هَاهُنَا وَإِنْ وَصَلَ كَمَا قَالَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>