وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ إلَّا إنَّهَا زُيُوفٌ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ. لَهُمَا أَنَّهُ بَيَانٌ مُغَيِّرٌ فَيَصِحُّ بِشَرْطِ الْوَصْلِ كَالشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ. وَهَذَا لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَحْتَمِلُ الزُّيُوفَ بِحَقِيقَتِهِ وَالسَّتُّوقَةُ بِمَجَازِهِ، إلَّا أَنَّ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْجِيَادِ فَكَانَ بَيَانًا مُغَيِّرًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ إلَّا أَنَّهَا وَزْنُ خَمْسَةٍ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا رُجُوعٌ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي وَصْفَ السَّلَامَةِ عَنْ الْعَيْبِ، وَالزِّيَافَةُ عَيْبٌ وَدَعْوَى الْعَيْبِ رُجُوعٌ عَنْ بَعْضِ مُوجِبِهِ وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَهُ مَعِيبًا وَقَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتَنِيهِ سَلِيمًا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي لِمَا بَيَّنَّا،
أَبُو حَنِيفَةَ.
كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ قَاضِي خَانْ وَالْإِمَامِ التُّمُرْتَاشِيِّ (وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ (إذَا قَالَ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ) بِكَلِمَةِ الِاسْتِثْنَاءِ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٍ) بِالْجَرِّ، وَتَجْرِي الصِّفَةُ عَلَى الْمَجْرُورِ الْمَعْدُودِ دُونَ الْعَدَدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ﴾ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. أَقُولُ: فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْجِيهِ وَصْفِ الْمُفْرَدِ بِالْجَمْعِ فَتَأَمَّلْ (مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ) هَذَا تَتِمَّةُ كَلَامِ الْمُقِرِّ (لَهُمَا) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْخِلَافِيَّةِ (أَنَّهُ) أَيْ مَا قَالَهُ الْمُقِرُّ آخِرًا (بَيَانٌ مُغَيِّرٌ) لِمَا قَالَهُ أَوَّلًا (فَيَصِحُّ مَوْصُولًا) أَيْ بِشَرْطِ الْوَصْلِ (كَالشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ) فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا لِكَوْنِهِ بَيَانَ تَغْيِيرٍ (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ آخِرِ كَلَامِ الْمُقِرِّ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بَيَانًا مُغَيِّرًا (لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَحْتَمِلُ الزُّيُوفَ بِحَقِيقَتِهِ) فَإِنَّ الزُّيُوفَ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ حَتَّى يَحْصُلُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ فِي الصَّرْفِ أَوْ السَّلَمِ وَلَا يَصِيرُ اسْتِبْدَالًا (وَالسَّتُّوقَةَ بِمَجَازِهِ) أَيْ وَيَحْتَمِلُ السَّتُّوقَةَ بِمَجَازِهِ لِأَنَّهَا تُسَمَّى دَرَاهِمَ مَجَازًا فَأَمْكَنَ أَنْ يَتَوَقَّفَ صَدْرُ الْكَلَامِ عَلَى عَجُزِهِ (إلَّا أَنَّ مُطْلَقَهُ) أَيْ مُطْلَقَ اسْمِ الدَّرَاهِمِ (يَنْصَرِفُ إلَى الْجِيَادِ) لِأَنَّ بِيَاعَاتِ النَّاسِ تَكُونُ بِالْجِيَادِ عَادَةً (فَكَانَ) أَيْ فَكَانَ ذِكْرُ الزُّيُوفِ أَوْ السَّتُّوقَةِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ (بَيَانًا مُغَيِّرًا) لِمَا اقْتَضَاهُ أَوَّلُ الْكَلَامِ (مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) أَيْ مِنْ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ كَانَ بَيَانًا مِنْ جِهَةِ الِاحْتِمَالِ وَمُغَيِّرًا مِنْ جِهَةِ مُخَالَفَةِ الْعَادَةِ فَصَحَّ مَوْصُولًا (وَصَارَ) أَيْ صَارَ حُكْمُ هَذَا (كَمَا إذَا قَالَ إلَّا أَنَّهَا وَزْنُ خَمْسَةٍ) أَوْ سِتَّةٍ وَنَقْدُ بَلَدِهِمْ وَزْنُ سَبْعَةٍ صُدِّقَ إنْ كَانَ مَوْصُولًا وَلَمْ يُصَدَّقْ إنْ كَانَ مَفْصُولًا.
أَقُولُ: لَوْ تَعَرَّضَ الْمُصَنِّفُ فِي أَثْنَاءِ التَّعْلِيلِ لِذِكْرِ النَّبَهْرَجَةِ أَيْضًا لَكَانَ أَوْجَهَ لِأَنَّهَا مَذْكُورَةٌ أَيْضًا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ.
فَإِنْ قُلْت: النَّبَهْرَجَةُ كَالزُّيُوفِ فِي كَوْنِهَا مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ فَيَجُوزُ أَنْ يُكْتَفَى فِي التَّعْلِيلِ بِذِكْرِ حَالِ الزُّيُوفِ. قُلْت: رَدَاءَةُ النَّبَهْرَجَةِ دُونَ رَدَاءَةِ الزُّيُوفِ كَمَا نُبِّهَ عَلَيْهِ هُنَاكَ أَيْضًا، فَكَانَ الْأَوْلَى الِاكْتِفَاءَ بِذِكْرِ حَالِ الْأَدْنَى لِيُعْلَمَ بِهِ حَالُ مَا فَوْقِهِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ.
ثُمَّ أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَحْتَمِلُ الزُّيُوفَ بِحَقِيقَتِهِ وَالسَّتُّوقَةَ بِمَجَازِهِ لَا يُسَاعِدُهُ مَا ذُكِرَ فِي مُعْتَبَرَاتِ كُتُبِ اللُّغَةِ كَالصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا دِرْهَمٌ سَتُّوقٌ وَتُسْتُوقٌ: أَيْ زَيْفٌ نَبَهْرَجٌ فَكَيْفَ يَكُونُ اسْمُ الدَّرَاهِمِ حَقِيقَةً فِي الْمُفَسَّرِ مَجَازًا فِي الْمُفَسِّرِ فَتَأَمَّلْ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا) أَيْ مَا قَالَهُ الْمُقِرُّ آخَرُ (رُجُوعٌ) عَمَّا أَقَرَّ بِهِ أَوَّلًا وَدَعْوَى أَمْرٍ عَارِضٍ فَلَا يُقْبَلُ وَإِنْ وَصَلَ وَذَلِكَ (لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي وَصْفَ السَّلَامَةِ عَنْ الْعَيْبِ) لِأَنَّ مُوجِبَهُ سَلَامَةُ الْبَدَلِ الْمُسْتَحَقِّ بِهِ عَنْ الْعَيْبِ (وَالزِّيَافَةُ عَيْبٌ) فِي الدَّرَاهِمِ (وَدَعْوَى الْعَيْبِ رُجُوعٌ عَنْ بَعْضِ مُوجِبِهِ) أَيْ عَنْ بَعْضِ مُوجِبِ الْعَقْدِ، فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ فَقَدْ أَرَادَ إبْطَالَ مَا هُوَ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ فَلَا يُصَدَّقُ، وَإِنْ وَصَلَ (وَصَارَ) حُكْمُ هَذَا (كَمَا إذَا قَالَ) الْبَائِعُ (بِعْتُكَهُ مَعِيبًا وَقَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتَنِيهِ سَلِيمًا فَالْقَوْلُ) هُنَاكَ (لِلْمُشْتَرِي لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْ الْعَيْبِ، فَكَذَا هَاهُنَا، فَحَاصِلُ اخْتِلَافِهِمْ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ الزُّيُوفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute