وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ فِي الْقَرْضِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الزُّيُوفِ إذَا وَصَلَ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُوجِبُ رَدَّ مِثْلِ الْمَقْبُوضِ، وَقَدْ يَكُونُ زَيْفًا كَمَا فِي الْغَصْبِ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ التَّعَامُلَ بِالْجِيَادِ فَانْصَرَفَ مُطْلَقُهُ إلَيْهَا. (وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَيْعَ وَالْقَرْضَ قِيلَ يُصَدَّقُ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَتَنَاوَلُهَا (وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ) لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ يَنْصَرِفُ إلَى الْعُقُودِ لِتَعَيُّنِهَا مَشْرُوعَةً لَا إلَى الِاسْتِهْلَاكِ الْمُحَرَّمِ.
جَرَيَانِ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَيْسَ لِاسْتِثْنَاءِ الْوَصْفِ وَهُوَ الزِّيَافَةُ بَلْ لِاسْتِثْنَاءِ الْعَيْنِ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ الزُّيُوفُ، وَنَحْنُ الْآنَ بِصَدَدِ تَتْمِيمِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا مَجَالَ لِلتَّشَبُّثِ بِذَلِكَ الْجَوَابِ هَاهُنَا فَتَدَبَّرْ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ) الْمُرَادُ بِالْأُصُولِ الْجَامِعَانِ وَالزِّيَادَاتُ وَالْمَبْسُوطُ، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ الْأَمَالِي وَالنَّوَادِرِ وَالرُّقَيَّاتِ وَالْهَارُونِيَّاتِ والْكَيْسانِيَّاتِ بِغَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الزُّيُوفِ إذَا وَصَلَ) يَعْنِي فِي الْقَرْضِ، كَذَا وَقَعَ فِي النِّهَايَةِ.
وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهَذَا الْقَيْدِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِأَنْ قَالَ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ فِي الْقَرْضِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الزُّيُوفِ إذَا وَصَلَ يَعْنِي إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ هِيَ زُيُوفٌ يُصَدَّقُ عِنْدَهُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ إذَا وَصَلَ قَوْلُهُ هِيَ زُيُوفٌ بِقَوْلِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ، أَمَّا إذَا قَطَعَ كَلَامَهُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ زَمَانٍ هِيَ زُيُوفٌ لَا يُصَدَّقُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ (لِأَنَّ الْقَرْضَ يُوجِبُ مِثْلَ الْمَقْبُوضِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُسْتَقْرَضَ إنَّمَا يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ بِالْقَبْضِ فَالْقَرْضُ يُوجِبُ مِثْلَ الْمَقْبُوضِ (وَقَدْ يَكُونُ) الْمَقْبُوضُ فِي الْقَرْضِ (زَيْفًا كَمَا فِي الْغَصْبِ) فَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ الزَّيْفُ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُقْضَى بِالْمِثْلِ كَالْغَصْبِ فَيُصَدَّقُ فِيهِ كَمَا يُصَدَّقُ فِي الْغَصْبِ.
أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنْ يُصَدَّقَ فِي الزُّيُوفِ فِي الْقَرْضِ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ كَمَا فِي الْغَصْبِ عَلَى مَا سَيَأْتِي مَعَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي صُورَةِ الْقَرْضِ إذَا فَصَلَ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ (وَوَجْهُ الظَّاهِرِ) أَيْ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (أَنَّ التَّعَامُلَ بِالْجِيَادِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِي التَّعَامُلِ هُوَ الْجِيَادُ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ (فَانْصَرَفَ مُطْلَقُهُ) أَيْ مُطْلَقُ الْقَرْضِ (إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْجِيَادِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْجِيَادُ وَبَعْدَ ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ دَعْوَى الزِّيَافَةِ لِأَنَّهَا رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ.
(وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَيْعَ وَالْقَرْضَ) أَيْ وَلَوْ أَرْسَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجِهَةَ وَادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ (قِيلَ يُصَدَّقُ بِالْإِجْمَاعِ) يَعْنِي إذَا وَصَلَ (لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَتَنَاوَلُهَا) أَيْ يَتَنَاوَلُ الزُّيُوفَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَصْرِفُهَا إلَى الْجِيَادِ (وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ) قَائِلُ هَذَا هُوَ الْكَرْخِيُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَيْ لَا يُصَدَّقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيُصَدَّقُ إذَا وَصَلَ وَلَا يُصَدَّقُ إذَا فَصَلَ، فَحَصَلَ الْمَعْنَى: وَقِيلَ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ السَّابِقِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ (لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ) بِالدَّيْنِ (يَنْصَرِفُ إلَى الْعُقُودِ) أَيْ إلَى الْإِلْزَامِ بِسَبَبِ الْعُقُودِ (لِتَعَيُّنِهَا مَشْرُوعَةً) أَيْ لِكَوْنِهَا هِيَ الْمَشْرُوعَةَ (لَا إلَى الِاسْتِهْلَاكِ الْمُحَرَّمِ) أَيْ لَا يَنْصَرِفُ إلَى الْإِلْزَامِ بِسَبَبِ الِاسْتِهْلَاكِ الْمُحَرَّمِ، إذْ لَا يَجُوزُ حَمْلُ أَمْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْحَرَامِ مَا أَمْكَنَ، فَصَارَ هَذَا وَمَا بَيْنَ سَبَبِ التِّجَارَةِ سَوَاءٌ.
قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: وَلَوْ أَرْسَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجِهَةَ ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: لَمْ يَذْكُرْ هَذَا فِي الْأُصُولِ. فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ هُوَ هَذَا الِاخْتِلَافُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute