للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ نَوْعٌ لَا عَيْبٌ، فَمُطْلَقُ الْعَقْدِ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْهَا.

إذَا فَصَلَ فَتَأَمَّلْ. أَقُولُ: بَحْثُهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ هَذَا الْبَيَانَ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمَا بَيَانُ نَوْعِ الدَّرَاهِمِ إلَّا أَنَّهُ بَيَانُ تَغْيِيرٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ وَالْجَوْدَةَ عُرْفًا، فَكَانَ اسْتِثْنَاءُ نَوْعِ الزُّيُوفِ مِنْ الدَّرَاهِمِ تَغْيِيرًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَكَانَ بَيَانَ تَغْيِيرٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَمَا مَرَّ، وَبَيَانُ التَّغْيِيرِ لَا يَصِحُّ إلَّا مَوْصُولًا، وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ الْفَاضِلُ فِي الْغَلَطِ مِنْ قَوْلِ صَاحِبَيْ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: فَصَارَ ذَلِكَ نَوْعًا لِلدَّرَاهِمِ لَا وَصْفًا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فِي الْحِنْطَةِ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ يُقْبَلُ، وَإِنْ فَصَلَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ إلَّا أَنَّ مُرَادَهُمَا أَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فِي الْحِنْطَةِ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ فِي مُجَرَّدِ كَوْنِهِ نَوْعًا لَا وَصْفًا لَا فِي الِاتِّحَادِ فِي جِهَةِ الْبَيَانِ، كَيْفَ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ هَذَا بَيَانُ تَغْيِيرٍ وَذَاكَ بَيَانُ التَّفْسِيرِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ؛ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ نَوْعٌ) أَيْ مُنَوَّعَةٌ (لَا عَيْبٌ) لِأَنَّ الْعَيْبَ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ وَالْحِنْطَةُ قَدْ تَكُونُ رَدِيئَةً فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَكَانَتْ الرَّدِيئَةُ نَوْعًا مِنْهَا وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً مُشَارًا إلَيْهَا فَوَجَدَهَا رَدِيئَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ (فَمُطْلَقُ الْعَقْدِ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الرَّدَاءَةِ، إذْ لَيْسَ لِمُطْلَقِ الْعَقْدِ مُقْتَضًى فِي نَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ بِالْحِنْطَةِ مَا لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا جَيِّدَةٌ أَوْ وَسَطٌ أَوْ رَدِيئَةٌ فَلَيْسَ فِي بَيَانِهِ تَغْيِيرُ مُوجَبِ أَوَّلِ كَلَامِهِ فَصَحَّ مَوْصُولًا وَمَفْصُولًا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يُسْتَثْنَى الْوَصْفُ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ؛ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ ضِدُّ الْجَوْدَةِ فَهُمَا صِفَتَانِ يَتَعَاقَبَانِ عَلَى مَوْضُوعٍ وَاحِدٍ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ نَوْعٌ لَا عَيْبٌ. فَإِنْ قِيلَ: فَالْجَوْدَةُ كَذَلِكَ لِمَا مَرَّ أَنَّهُمَا ضِدَّانِ دَفْعًا لِلتَّحَكُّمِ.

أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّدَاءَةَ فِي الْحِنْطَةِ مُنَوَّعَةٌ لَا عَيْبٌ وَفِي الدَّرَاهِمِ عَيْبٌ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُفَادَ الْجَوَابِ الثَّانِي أَنَّ الرَّدَاءَةَ فِي الدَّرَاهِمِ عَيْبٌ وَفِي الْحِنْطَةِ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ لَا أَنَّهَا فِي الدَّرَاهِمِ وَصْفٌ وَفِي الْحِنْطَةِ لَيْسَتْ بِوَصْفٍ، فَلَا يَنْدَفِعُ بِهِ أَصْلُ السُّؤَالِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ نَقْضُ الْقَوْلِ بِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْوَصْفِ لَا يَجُوزُ بِجَوَازِ اسْتِثْنَاءِ وَصْفِ الرَّدَاءَةِ فِي الْحِنْطَةِ. عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ بِهِ السُّؤَالُ الثَّانِي أَيْضًا لِأَنَّ حَاصِلَهُ طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ رَدَاءَةِ الْحِنْطَةِ وَجَوْدَةِ الدَّرَاهِمِ. وَمُفَادُ الْجَوَابِ عَنْهُ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ رَدَاءَةِ الْحِنْطَةِ وَرَدَاءَةِ الدَّرَاهِمِ.

ثُمَّ أَقُولُ: الْبَاعِثُ عَلَى شَرْحِهِ الْمَقَامَ بِالْوَجْهِ الْمَزْبُورِ هُوَ أَنَّهُ حَسِبَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ : بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِمَا ذَكَرَهُ فِي قُبَيْلِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْوَصْفِ لَا يَجُوزُ كَاسْتِثْنَاءِ الْبِنَاءِ فِي الدَّارِ فَوَقَعَ فِيمَا وَقَعَ، وَلَكِنْ لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا ذَكَرَهُ فِي أَوَائِلِ دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْ الْعَيْبِ، وَالزِّيَافَةُ عَيْبٌ يُرْشَدُ إلَيْهِ قَطْعًا قَوْلُهُ هَاهُنَا فَمُطْلَقُ الْعَقْدِ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْهَا بَعْدَ قَوْلِهِ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ نَوْعٌ لَا عَيْبٌ. ثُمَّ أَقُولُ: وَأَمَّا السُّؤَالُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ قِيلَ يُسْتَثْنَى الْوَصْفُ كَمَا إذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ.

فَجَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ هُنَاكَ اسْتِثْنَاءٌ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ بَيَانٌ وَتَفْسِيرٌ لِلْحِنْطَةِ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ فِي صُورَةِ الِاسْتِثْنَاءِ، يُرْشِدُ إلَيْهِ أَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي قَالَ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ كُرُّ بُرٍّ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ قَرْضٍ، ثُمَّ قَالَ هُوَ رَدِيءٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ، لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ فِي الْبُرِّ انْتَهَى حَيْثُ بَدَّلَ قَوْلَهُ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ بِقَوْلِهِ هُوَ رَدِيءٌ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَطْمَحُ النَّظَرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صِيغَةَ الِاسْتِثْنَاءِ بَلْ إنَّ الرَّدَاءَةَ فِي مِثْلِ الْبُرِّ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ، فَظَهَرَ أَنَّ جَعْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ نَوْعٌ لَا عَيْبٌ جَوَابًا عَنْ السُّؤَالِ الْمَزْبُورِ مِنْ ضِيقِ الْعَطَنِ.

فَإِنْ قُلْت: لِلسُّؤَالِ الْمَزْبُورِ جَوَابٌ آخَرُ أَظْهَرُ مِمَّا ذَكَرْته، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ لَيْسَ لِاسْتِثْنَاءِ الْوَصْفِ وَهُوَ الرَّدَاءَةُ بَلْ لِاسْتِثْنَاءِ الْعَيْنِ وَهُوَ الْحِنْطَةُ الرَّدِيئَةُ، فَالْمُرَادُ اسْتِثْنَاءُ نَوْعٍ مِنْ الْحِنْطَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ بِلَا رَيْبٍ فَلِمَ تَرَكْت هَذَا الْجَوَابَ؟ قُلْت: لِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا إذَا قَالَ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ عِنْدَهُ مَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>