كَانَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَلَيْسَ مَدَارُ الْفَرْقِ عَلَى ذِكْرِ الْأَخْذِ فِي طَرَفِ الْوَدِيعَةِ وَعَدَمِهِ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ وَهُوَ الْإِجَارَةُ وَأُخْتَاهُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَخْذَ فِي وَضْعِ الطَّرَفِ الْآخَرِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَيْضًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا قَالَ اقْتَضَيْتُ مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَتْ لِي عَلَيْهِ أَوْ أَقْرَضْتُهُ أَلْفًا ثُمَّ أَخَذْتُهَا مِنْهُ وَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ إِنَّمَا
كَانَ) جَوَابُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا. (عَلَى هَذَا الْخِلَافِ) الْمَذْكُورِ فِي مَسَائِلِ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْإِسْكَانِ.
أَقُولُ: بَقِيَ هَاهُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الْفَرْقَ الْمَذْكُورَ إِنَّمَا يَتَّضِحُ لَوْ كَانَتْ صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ مَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الْأَلْفُ كَانَتْ وَدِيعَةً عِنْدَ فُلَانٍ بِدُونِ ذِكْرِ لَفْظَةِ لِي، وَأَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَتُ فِي الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ قَالَ: هَذِهِ الْأَلْفُ كَانَتْ لِي وَدِيعَةً عِنْدَ فُلَانٍ فَيُشْكِلُ ذَلِكَ؛ إِذِ الظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَةَ لِي تُفِيدُ ثُبُوتَ الْيَدِ مِنْ جِهَتِهِ فَيَئُولُ مَعْنَى قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ إِلَى مَعْنَى قَوْلِهِ: أَوْدَعْتُهَا عِنْدَ فُلَانٍ.
(وَلَيْسَ مَدَارُ الْفَرْقِ عَلَى ذِكْرِ الْأَخْذِ فِي طَرَفِ الْوَدِيعَةِ وَعَدَمِهِ)، أَيْ: عَدَمُ ذِكْرِ الْأَخْذِ (فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ وَهُوَ الْإِجَارَةُ وَأُخْتَاهُ)، أَيِ: الْإِعَارَةُ وَالْإِسْكَانُ. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: إِنَّمَا ذَكَرَ الضَّمِيرَ الرَّاجِعَ إِلَى الْإِجَارَةِ عَلَى تَأْوِيلِ الْعَقْدِ. قُلْتُ: وَإِنَّمَا قَالَ: "وَأُخْتَاهُ"، وَلَمْ يَقُلْ: "وَأَخَوَاهُ" مَعَ أَنَّ أَحَدَهُمَا وَهُوَ الْإِسْكَانُ كَانَ مُذَكَّرًا، وَفِي مِثْلِ ذَلِكَ يَغْلُبُ الْمُذَكَّرُ عَلَى الْمُؤَنَّثِ وَلَا يُعْكَسُ، أَمَّا عَلَى تَأْوِيلِهِمَا بِالصُّورَتَيْنِ أَوْ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا الرَّدُّ عَلَى الْإِمَامِ الْقُمِّيِّ فِيمَا ذَكَرَ مِنَ الْفَرْقِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا وَجَبَ الرَّدُّ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا: أَخَذْتُهَا مِنْهُ، فَيَجِبُ جَزَاؤُهُ، وَجَزَاءُ الْأَخْذِ الرَّدُّ.
وَقَالَ فِي الْإِجَارَةِ وَأُخْتَيْهَا: "فَرَدَّهَا عَلَيَّ"، فَكَانَ الِافْتِرَاقُ فِي الْحَكَمِ لِلِافْتِرَاقِ فِي الْوَضْعِ. وَقَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: هَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ لَفْظَ الْأَخْذِ فِي الْإِجَارَةِ وَأُخْتَيْهَا أَيْضًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَخْذَ فِي وَضْعِ الطَّرَفِ الْآخَرِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَيْضًا). بَقِيَ وَجْهٌ آخَرُ لِلْفَرْقِ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَنُقِلَ عَنْهُ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَهُوَ أَنَّ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ لَوْ أَخَذْنَا الْمُؤَجِّرَ وَالْمُعِيِرَ بِإِقْرَارِهِمَا امْتَنَعَ النَّاسُ عَنِ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ فَلَا يُؤَاخَذَانِ بِإِقْرَارِهِمَا اسْتِحْسَانًا كَيْلَا تَنْقَطِعَ الْإِجَارَةُ وَالْإِعَارَةُ، وَأَمَّا فِي الْوَدِيعَةِ فَمَنْفَعَةُ الْإِيدَاعِ تَعُودُ إِلَى الْمَالِكِ، فَلَوْ أَخَذَنَا الْمَالِكَ بِإِقْرَارِهِ لَا يَنْقَطِعُ الْإِيدَاعُ، انْتَهَى.
أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: تَعُودُ الْمَنْفَعَةُ فِي الْإِجَارَةِ أَيْضًا إِلَى الْمَالِكِ وَهُوَ الْمُؤَجِّرُ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَا عَقْدُ تَبَرُّعٍ، فَتَعُودُ فِيهَا مَنْفَعَةُ الْأُجْرَةِ إِلَى الْمُؤَجِّرِ قَطْعًا، كَمَا يَعُودُ فِي الْإِيدَاعِ مَنْفَعَةُ الْحِفْظِ إِلَى الْمُودِعِ، فَلَمْ يَتِمَّ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ بِالنَّظَرِ إِلَى مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ تَمَّ بِالنَّظَرِ إِلَى مَسْأَلَةِ الْإِعَارَةِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: مَنْفَعَةُ الْأُجْرَةِ، وَإِنْ عَادَتْ فِي الْإِجَارَةِ إِلَى الْمُؤَجِّرِ لَكِنَّ مَنْفَعَةَ الدَّارِ وَنَحْوِهَا تَعُودُ إِلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَا يَقْدِرُ الْمُؤَجِّرُ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا مُدَّةَ الْإِجَارَةِ فَيَتَضَرَّرُ بِهَا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ بِخِلَافِ الْإِيدَاعِ؛ فَإِنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ لِلْمُودِعِ، فَافْتَرَقَا فِي الْجُمْلَةِ.
(وَهَذَا)، أَيِ: الَّذِي ذُكِرَ فِي الْإِجَارَةِ وَأُخْتَيْهَا (بِخِلَافٍ مَا إِذَا قَالَ: اقْتَضَيْتُ)، أَيْ: قَبَضَتُ (مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَتْ لِي عَلَيْهِ أَوْ أَقْرَضْتُهُ أَلْفًا ثُمَّ أَخَذْتُهَا مِنْهُ وَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ؛ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ)، أَيْ: قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ؛ (لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا)، لَا بِأَعْيَانِهَا؛ (وَذَلِكَ)، أَيْ: قَضَاءُ الدُّيُونِ بِأَمْثَالِهَا. (إِنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute