للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ الْيَدَ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ ضَرُورِيَّةٌ تُثْبِتُ ضَرُورَةَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ، فَيَكُونُ عَدَمًا فِيمَا وَرَاءَ الضَّرُورَةِ فَلَا يَكُونُ إِقْرَارًا لَهُ بِالْيَدِ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهَا مَقْصُودَةٌ، وَالْإِيدَاعُ إِثْبَاتُ الْيَدِ قَصْدًا فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ بِهِ اعْتِرَافًا بِالْيَدِ لِلْمُودِعِ.

وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْإِسْكَانِ أَقَرَّ بِيَدٍ ثَابِتَةٍ مِنْ جِهَتِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي كَيْفِيَّتِهِ. وَلَا كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا: كَانَتْ وَدِيعَةً، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ، حَتَّى لَوْ قَالَ: أَوْدَعْتُهَا

اسْتِحْقَاقَهَا عَلَيْهِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ. (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ) بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ (أَنَّ الْيَدَ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ ضَرُورِيَّةٌ)، يَعْنِي: أَنَّ الْيَدَ فِيهِمَا لَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ بَلْ هِيَ ضَرُورِيَّةٌ (تُثْبِتُ ضَرُورَةَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ فَتَكُونُ عَدَمًا)، أَيْ: فَتَكُونُ الْيَدُ مَعْدُومَةً (فِيمَا وَرَاءَ الضَّرُورَةِ)، فَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ مَا يَثْبُتُ بِالضَّرُورَةِ يَقْتَصِرُ عَلَى قَدْرِ الضَّرُورَةِ، (فَلَا يَكُونُ)، أَيْ: فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ (إِقْرَارًا لَهُ)، أَيْ: لِلْمُقِرِّ لَهُ (بِالْيَدِ مُطْلَقًا)، أَيْ: مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ يَكُونُ إِقْرَارًا لَهُ بِالْيَدِ لِأَجْلِ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَقَطْ، فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ مُدَّعِيًا لِنَفْسِهِ (بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهَا مَقْصُودَةٌ)، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا هُوَ الْحِفْظُ وَالْحِفْظُ لَا يَكُونُ بِدُونِ الْيَدِ، (وَالْإِيدَاعُ إِثْبَاتُ الْيَدِ قَصْدًا فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ بِهِ)، أَيْ: بِالْإِيدَاعِ (اعْتِرَافًا بِالْيَدِ لِلْمُودِعِ).

أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنْ أُرِيدَ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْإِيدَاعِ يَكُونُ اعْتِرَافًا بِالْيَدِ لِلْمُودِعِ مُطْلَقًا، أَيْ: مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي؛ حَيْثُ قَالَ: فَكَانَ الْإِقْرَارُ بِالْوَدِيعَةِ إِقْرَارًا بِالْيَدِ لِلْمُقِرِّ لَهُ مُطْلَقًا فَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ إِذِ الْإِيدَاعُ إِثْبَاتُ يَدِ الْمُحَافَظَةِ دُونَ إِثْبَاتِ يَدِ الْمَلِكِ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْإِيدَاعِ إِقْرَارًا بِالْيَدِ مُطْلَقًا لِلْمُودِعِ؟ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِهِ يَكُونُ اعْتِرَافًا بِيَدِ الْمُحَافَظَةِ لِلْمُودِعِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ لَا يَتِمُّ بِهِ التَّقْرِيبُ، كَمَا لَا يَخْفَى.

(وَوَجْهٌ آخَرُ) لِلِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ الْفَرْقُ (أَنَّ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْإِسْكَانِ أَقَرَّ بِيَدٍ ثَابِتَةٍ مِنْ جِهَتِهِ)، أَيْ: مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ، (فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي كَيْفِيَّتِهِ)، أَيْ: فِي كَيْفِيَّةِ ثُبُوتِ الْيَدِ لَهُ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ عَبَدٌ، وَقَالَ: هَذَا عَبْدِي بِعْتُهُ مِنْ فُلَانٍ وَلَمْ أُسَلِّمْهُ إِلَيْهِ بَعْدُ، فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لَا بَلْ كَانَ عَبْدِي لَمْ أَشْتَرِهِ مِنْكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ دُونَ الْمُقَرِّ لَهُ لِهَذَا الْمَعْنَى، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ. وَكَمَا لَوْ قَالَ: مَلَّكْتُ عَبْدِي هَذَا فُلَانًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إِلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضِ الثَّمَنَ فَلِي حَقُّ الْحَبْسِ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَإِنْ زَعْمَ الْآخَرُ خِلَافَهُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَشَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ أَخْذًا مِنَ الْأَسْرَارِ، (وَلَا كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ)، أَيْ: لِأَنَّ الْمُقِرَّ (قَالَ فِيهَا: كَانَتْ وَدِيعَةً، وَقَدْ تَكُونُ)، أَيِ: الْوَدِيعَةُ (مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ) كَاللُّقَطَةِ؛ فَإِنَّهَا وَدِيعَةٌ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهَا إِلَيْهِ صَاحِبُهَا، وَكَذَا الثَّوْبُ إِذَا هَبَّتِ الرِّيحُ فَأَلْقَتْهُ فِي دَارِ إِنْسَانٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ وَدِيعَةً عِنْدَ صَاحِبِ الدَّارِ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهَا إِلَيْهِ صَاحِبُهُ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ.

أَقُولُ: هُنَا كَلَامٌ: أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّ الْإِيدَاعَ إِثْبَاتُ الْيَدِ قَصْدًا؛ لِأَنَّ إِثْبَاتَ الْيَدِ قَصْدًا يَقْتَضِي الصُّنْعَ. فَإِنْ قُلْتَ: مُرَادُهُ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ الْمُقِرِّ لَا مِنْ غَيْرِ صُنْعِ الْمُودِعِ، وَكَوْنُ الْإِيدَاعِ إِثْبَاتُ الْيَدِ قَصْدًا إِنَّمَا يَقْتَضِي صُنْعَ الْمُودِعِ فَلَا مُنَافَاةَ. قُلْتُ: فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ الْمِثَالَانِ الْمَزْبُورَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ، وَذَكَرَ الثَّانِي صَاحِبُ الْكَافِي أَيْضًا؛ إِذْ لَا صُنْعَ لِأَحَدٍ فِي ثُبُوتِ يَدِ الْمُلْتَقِطِ فِي اللُّقَطَةِ وَفِى ثُبُوتِ يَدِ صَاحِبِ الدَّارِ فِي الثَّوْبِ الَّذِي أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي دَارِهِ.

وَأَمَا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ تَمْثِيلَ جُمْهُورِ الشُّرَّاحِ الْوَدِيعَةَ هَاهُنَا بِالْمِثَالَيْنِ الْمَزْبُورَيْنِ يُنَافِي مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ، مِنْ أَنَّ الْوَدِيعَةَ هِيَ التَّسْلِيطُ عَلَى الْحِفْظِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْعَقْدِ وَالْقَصْدِ، وَالْأَمَانَةِ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَقَصْدٍ، كَمَا إِذَا هَبَّتِ الرِّيحُ فِي ثَوْبِ إِنْسَانٍ فَأَلْقَتْهُ فِي بَيْتِ غَيْرِهِ، وَوَجْهُ الْمُنَافَاةِ ظَاهِرٌ. (حَتَّى لَوْ قَالَ)، أَيِ: الْمُقِرُّ: (أَوْدَعَتُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>