للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَافْتَرَقَا (وَإِنْ قَالَ هَذِهِ الْأَلْفُ كَانَتْ وَدِيعَةً لِي عِنْدَ فُلَانٍ فَأَخَذْتُهَا فَقَالَ فُلَانٌ هِيَ لِي فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ وَادَّعَى اسْتِحْقَاقَهَا عَلَيْهِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ.

(وَلَوْ قَالَ: آجَرْتُ دَابَّتِي هَذِهِ فُلَانًا فَرَكِبَهَا وَرَدَّهَا، أَوْ قَالَ: آجَرْتُ ثَوْبِي هَذَا فُلَانًا فَلَبِسَهُ وَرَدَّهُ وَقَالَ فُلَانٌ: كَذَبْتَ وَهُمَا لِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ الدَّابَّةُ وَالثَّوْبُ) وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِعَارَةُ وَالْإِسْكَانُ.

(وَلَوْ قَالَ خَاطَ فُلَانٌ ثَوْبِي هَذَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَبَضْتُهُ وَقَالَ فُلَانٌ: الثَّوْبُ ثَوْبِي فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ) وَجْهُ الْقِيَاسِ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْوَدِيعَةِ.

فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ (فَافْتَرَقَا)، أَيْ: فَافْتَرَقَ مَا إِذَا قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: أَخَذْتَهَا غَصْبًا وَمَا إِذَا قَالَ: أَخَذْتَهَا قَرْضًا.

أَقُولُ: هَا هُنَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُقِرُّ إِنَّمَا هُوَ مَا يُبَرِّئُهُ عَنِ الضَّمَانِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَلَيْسَ ذَلِكَ هُوَ الْإِذْنُ الْمُطْلَقُ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّا يَحْصُلُ بِالْإِذْنِ كَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَنَظَائِرِهِمَا أَسْبَابٌ مُوجِبَةٌ لِلضَّمَانِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ مُبَرِّئَةً عَنِ الضَّمَانِ، بَلْ إِنَّمَا ذَلِكَ هُوَ الْإِذْنُ الْمَخْصُوصُ الْحَاصِلُ فِي ضِمْنِ الْوَدِيعَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ لَا يُوَافِقُهُ عَلَى الْأَخْذِ بِهَذَا الْإِذْنِ الْمَخْصُوصِ، وَإِلَّا لَمَا ادَّعَى عَلَيْهِ سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْقَرْضُ.

وَأَمَّا تَوَافُقُهُمَا عَلَى مُطْلَقِ الْإِذْنِ فَلَا يُجْدِي نَفْعًا فِي الْفَرْقِ؛ لِأَنَّ ادِّعَاءَ الْمُقِرِّ مَا يُبَرِّئُهُ عَنِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْإِذْنُ الْمَخْصُوصُ الْحَاصِلُ فِي ضِمْنِ الْوَدِيعَةِ وَإِنْكَارَ الْمُقِرِّ لَهُ إِيَّاهُ بِقَوْلِهِ: لَا بَاقِيَانِ بِعَيْنِهِمَا فِيمَا إِذَا قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: بَلْ أَخَذْتَهَا قَرْضًا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ أَيْضًا يَدَّعِي سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْقَرْضُ وَالْمُقِرُّ يُنْكِرُهُ.

وَإِذَا تَعَارَضَ دَعْوَاهُمَا وَإِنْكَارُهُمَا بَقِيَ إِقْرَارُ الْمُقِرِّ أَوَّلًا بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْأَخْذُ سَالِمًا عَنِ الدَّافِعِ، كَمَا فِيمَا إِذَا قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: بَلْ أَخَذْتَهَا غَصْبًا فَلَمْ يَفْتَرِقَا افْتِرَاقًا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْحَكَمِ، تَأَمَّلْ جِدًّا.

(وَإِنْ قَالَ: هَذِهِ الْأَلْفُ كَانَتْ لِي وَدِيعَةً عِنْدَ فُلَانٍ فَأَخَذْتُهَا) مِنْهُ. (فَقَالَ فُلَانٌ: هِيَ لِي فَإِنَّهُ)، أَيْ: فَإِنَّ فُلَانًا. (يَأْخُذُهَا) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ: فِي تَعْلِيلِهَا: (لِأَنَّهُ)، أَيْ: لِأَنَّ الْمُقِرَّ. (أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ)، أَيْ: لِفُلَانٍ. وَفِي الْكَافِي: وَأَقَرَّ بِالْأَخْذِ مِنْهُ وَالسَّبِيلُ فِي الْأَخْذِ الرَّدُّ عَلَى الْمَأْخُوذِ مِنْهُ. (وَادَّعَى اسْتِحْقَاقَهَا عَلَيْهِ)، أَيِ: ادَّعَى اسْتِحْقَاقَهُ الْأَلْفَ عَلَى فُلَانٍ بِقَوْلِهِ: كَانَتْ لِي وَدِيعَةً عِنْدَ فُلَانٍ. (وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ) مَعَ يَمِينِهِ. .

(وَلَوْ قَالَ: آجَرْتُ دَابَّتِي هَذِهِ فَلَانًا فَرَكِبَهَا وَرَدَّهَا) عَلَيَّ. (أَوْ قَالَ: آجَرْتُ ثَوْبِي هَذَا فُلَانًا فَلَبِسَهُ وَرَدَّهُ) عَلَيَّ. (وَقَالَ فُلَانٌ: كَذَبْتَ) بَلِ الدَّابَّةُ وَالثَّوْبُ لِي. (فَالْقَوْلُ لَهُ)، أَيْ: لِلْمُقِرِّ. (وَهَذَا)، أَيْ: كَوْنُ الْقَوْلِ قَوْلُ الْمُقِرِّ. (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ الدَّابَّةُ وَالثَّوْبُ) وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ هُنَا اسْتِحْسَانٌ وَقَوْلُهُمَا قِيَاسٌ، كَذَا قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ الْقِيَاسُ)، أَيْ: قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ الْقِيَاسُ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِيمَا بَعْدُ: وَجْهُ الْقِيَاسِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا كُلَّهُ إِذَا لَمْ تَكُنِ الدَّابَّةُ أَوِ الثَّوْبُ مَعْرُوفًا لِلْمُقِرِّ.

أَمَّا إِذَا كَانَ مَعْرُوفًا لَهُ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ إِذَا كَانَ مَعْرُوفًا لِلْمُقِرِّ لَا يَكُونُ مُجَرَّدَ الْيَدِ فِيهِ لِغَيْرِهِ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ، وَذَكَرَ فِي الشُّرُوحِ. (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ)، أَيْ: عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ آنِفًا (الْإِعَارَةُ وَالْإِسْكَانُ) بِأَنْ قَالَ: أَعَرْتُ دَابَّتِي هَذِهِ فُلَانًا فَرَكِبَهَا ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيَّ، أَوْ أَعَرْتُ ثَوْبِي هَذَا فُلَانًا فَلَبِسَهُ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَيَّ، وَبِأَنْ قَالَ: أَسْكَنْتُ دَارِي هَذِهِ فُلَانًا ثُمَّ أَخْرَجَتُهُ مِنْهَا، فَقَالَ فُلَانٌ: كَذَبْتَ بَلِ الدَّابَّةُ وَالثَّوْبُ وَالدَّارُ لِي.

(وَلَوْ قَالَ: خَاطَ فُلَانٌ ثَوْبِي هَذَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَبَضْتُهُ، وَقَالَ فُلَانٌ: الثَّوْبُ ثَوْبِي فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ) احْتُرِزَ بِهِ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: إِنَّ الْقَوْلَ فِي هَذَا قَوْلُ الْمُقِرِّ بِالْإِجْمَاعِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي الْأُصُولِ، بَلْ قَالَ عَامَّةَ الْمَشَايِخِ: هُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَيْضًا قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَجْهُ الْقِيَاسِ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْوَدِيعَةِ) أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ: لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ وَادَّعَى

<<  <  ج: ص:  >  >>