يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ. وَفِي الثَّانِي أَضَافَ الْفِعْلَ إلَى غَيْرِهِ وَذَاكَ يَدَّعِي عَلَيْهِ سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْغَصْبُ فَكَانَ الْقَوْلُ لِمُنْكِرِهِ مَعَ الْيَمِينِ وَالْقَبْضُ فِي هَذَا كَالْأَخْذِ وَالدَّفْعُ كَالْإِعْطَاءِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إعْطَاؤُهُ وَالدَّفْعُ إلَيْهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَبْضِهِ، فَنَقُولُ: قَدْ يَكُونُ بِالتَّخْلِيَةِ وَالْوَضْعِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَوْ اقْتَضَى ذَلِكَ فَالْمُقْتَضَى ثَابِتٌ ضَرُورَةً فَلَا يَظْهَرُ فِي انْعِقَادِهِ سَبَبُ الضَّمَانِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَخَذْتُهَا مِنْك وَدِيعَةً وَقَالَ الْآخَرُ لَا بَلْ قَرْضًا حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ لِأَنَّهُمَا تَوَافَقَا هُنَالِكَ عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ كَانَ بِالْإِذْنِ إلَّا أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يَدَّعِي سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْقَرْضُ وَالْآخَرُ يُنْكِرُ
لَهُ (يُنْكِرُهُ) أَيْ يُنْكِرُ الْإِذْنَ (فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ) هَذَا مَا قَالُوا. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا أَنَّ الْأَخْذَ مُطْلَقًا سَبَبُ الضَّمَانِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، بَلْ الْأَخْذُ إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ كَأَخْذِ الْوَدِيعَةِ بِإِذْنِ الْمُودِعِ فَلَيْسَ بِسَبَبِ الضَّمَانِ قَطْعًا لِقَوْلِهِ ﷺ «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ، وَلَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» كَمَا اسْتَدَلُّوا بِهِ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ. عَلَى أَنَّ الْوَدِيعَةَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُودَعِ إذَا هَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ، فَيَكُونُ مَا أَخَذَتْهُ الْيَدُ بِهَذَا الطَّرِيقِ مَخْصُوصًا عَنْ قَوْلِهِ ﵊ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ الْأَخْذَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ سَبَبُ الضَّمَانِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ بِغَيْرِ إذْنٍ، بَلْ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ الْمُقَيَّدِ بِكَوْنِهِ وَدِيعَةً وَهُوَ الْأَخْذُ بِالْإِذْنِ فَتَأَمَّلْ فِي الْجَوَابِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ الْمُقِرُّ وَيُجْعَلَ قَوْلُهُ: وَدِيعَةً بَيَانُ تَغْيِيرٍ كَمَا لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِيعَةٌ. قُلْنَا: صَدْرُ الْكَلَامِ هُنَا مُوجِبُهُ الْغَصْبُ فَلَا يَحْتَمِلُ الْوَدِيعَةَ، فَقَوْلُهُ: وَدِيعَةً يَكُونُ دَعْوَى مُبْتَدَأَةً لَا بَيَانَ مَا احْتَمَلَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ يَحْتَمِلُ الْوَدِيعَةَ: يَعْنِي عَلَى حِفْظِهِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَدِيعَةٌ بَيَانَ تَغْيِيرٍ فَيُصَدَّقُ مَوْصُولًا انْتَهَى. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ، إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ هُنَا مُوجِبُهُ الْغَصْبُ، كَيْفَ وَسَيَجِيءُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ أَنَّ الْغَصْبَ فِي اللُّغَةِ: أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ التَّغَلُّبِ؟ وَفِي الشَّرِيعَةِ: أَخْذُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَهُ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ هَاهُنَا وَهُوَ قَوْلُهُ أَخَذْت مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ أَعَمُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَعْنَيَيْ الْغَصْبِ، وَمِنْ الْمُقَرَّرِ أَنَّ الْعَامَّ لَا يَدُلُّ عَلَى الْخَاصِّ بِإِحْدَى الدَّلَالَاتِ الثَّلَاثِ، فَأَنَّى يَكُونُ مُوجِبُهُ الْغَصْبَ، وَكَأَنَّ صَاحِبَ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ تَنَبَّهَ لِمَا قُلْنَا حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ مَا فِي الْكِفَايَةِ مِنْ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ.
كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ (وَفِي الثَّانِي) أَيْ وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ أَعْطَيْتنِيهَا وَدِيعَةً (أَضَافَ الْفِعْلَ إلَى غَيْرِهِ) وَهُوَ الْمُقَرُّ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِسَبَبِ الضَّمَانِ (وَذَاكَ) أَيْ ذَاكَ الْغَيْرُ (يَدَّعِي عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُقِرِّ (سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْغَصْبُ) وَالْمُقِرُّ يُنْكِرُهُ (فَكَانَ الْقَوْلُ لِمُنْكِرِهِ مَعَ الْيَمِينِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْقَبْضُ فِي هَذَا) أَيْ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (كَالْأَخْذِ) يَعْنِي لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ: قَبَضْت مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ غَصَبْتنِيهَا كَانَ ضَامِنًا، كَمَا لَوْ قَالَ أَخَذْت مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً (وَالدَّفْعُ كَالْإِعْطَاءِ) يَعْنِي لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ دَفَعْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ غَصَبْتنِيهَا لَمْ يَضْمَنْ كَمَا لَوْ قَالَ أَعْطَيْتنِيهَا (فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ الْإِعْطَاءُ وَالدَّفْعُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُقِرِّ (لَا يَكُونُ إلَّا بِقَبْضِهِ) فَكَانَ الْإِقْرَارُ بِالْإِعْطَاءِ وَالدَّفْعِ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ، وَإِذَا أَقَرَّ بِالْقَبْضِ يَضْمَنُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ إذَا أَقَرَّ بِالْإِعْطَاءِ وَالدَّفْعِ أَيْضًا (فَنَقُولُ) فِي الْجَوَابِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِعْطَاءَ وَالدَّفْعَ إلَيْهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَبْضِهِ بَلْ (قَدْ يَكُونُ) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِعْطَاءِ وَالدَّفْعِ (بِالتَّخْلِيَةِ وَالْوَضْعِ بَيْنَ يَدَيْهِ) بِدُونِ قَبْضِهِ فَلَمْ يَقْتَضِ الْإِقْرَارُ بِهِمَا الْإِقْرَارَ بِالْقَبْضِ (وَلَوْ اقْتَضَى ذَلِكَ) أَيْ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ اقْتَضَى ذَلِكَ (فَالْمُقْتَضَى ثَابِتٌ ضَرُورَةً) وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَثْبُتُ بِأَدْنَى مَا يَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ (فَلَا يَظْهَرُ فِي انْعِقَادِ سَبَبِ الضَّمَانِ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَهَذَا) أَيْ وَهَذَا الَّذِي قُلْنَا مِنْ ضَمَانِ الْمُقِرِّ بِالْأَخْذِ وَدِيعَةً إذَا قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ أَخَذْتَهَا غَصْبًا (بِخِلَافِ مَا) أَيْ مُلَابِسٍ، بِخِلَافِ مَا (إذَا قَالَ) أَيْ الْمُقِرُّ (أَخَذْتُهَا مِنْك وَدِيعَةً وَقَالَ الْآخَرُ لَا بَلْ قَرْضًا حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ لِأَنَّهُمَا تَوَافَقَا هُنَالِكَ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ أَخَذْتَهَا قَرْضًا (عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ كَانَ بِالْإِذْنِ) لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْقَرْضِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِذْنِ كَالْأَخْذِ بِالْوَدِيعَةِ. (إِلَّا أَنَّ الْمُقِرَّ لَهُ يَدَّعِي سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْقَرْضُ وَالْآخَرُ يُنْكِرُ) ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute