لِأَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءُ الْمِقْدَارِ وَالِاسْتِثْنَاءُ يَصِحُّ مَوْصُولًا، بِخِلَافِ الزِّيَافَةِ لِأَنَّهَا وَصْفٌ وَاسْتِثْنَاءُ الْأَوْصَافِ لَا يَصِحُّ، وَاللَّفْظُ يَتَنَاوَلُ الْمِقْدَارَ دُونَ الْوَصْفِ وَهُوَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ كَمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ كَانَ الْفَصْلُ ضَرُورَةَ انْقِطَاعِ الْكَلَامِ فَهُوَ وَاصِلٌ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ.
(وَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ ثَوْبٍ ثُمَّ جَاءَ بِثَوْبٍ مَعِيبٍ فَالْقَوْلُ لَهُ) لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَخْتَصُّ بِالسَّلِيمِ.
(وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: أَخَذْت مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ فَقَالَ لَا بَلْ أَخَذْتهَا غَصْبًا فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ قَالَ أَعْطَيْتَنِيهَا وَدِيعَةً فَقَالَ لَا بَلْ غَصَبْتَنِيهَا لَمْ يَضْمَنْ) وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْأَخْذُ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبْرِئُهُ وَهُوَ الْإِذْنُ وَالْآخَرُ
فِي تَعْلِيلِهَا (لِأَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءُ الْمِقْدَارِ) أَيْ اسْتِثْنَاءٌ لِبَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الْمِقْدَارِ (وَالِاسْتِثْنَاءُ يَصِحُّ مَوْصُولًا) لَا مَفْصُولًا فَيَصِيرُ الْكَلَامُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى (بِخِلَافِ الزِّيَافَةِ لِأَنَّهُ وَصْفٌ) أَيْ لِأَنَّ الزِّيَافَةَ وَصْفٌ ذَكَّرَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ (وَاللَّفْظُ يَتَنَاوَلُ الْمِقْدَارَ دُونَ الْوَصْفِ، وَهُوَ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ (تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ كَمَا بَيَّنَّا) فِيمَا مَرَّ فَيَصِحُّ فِي مُتَنَاوَلِ اللَّفْظِ دُونَ غَيْرِهِ (وَلَوْ كَانَ الْفَصْلُ ضَرُورَةَ انْقِطَاعِ الْكَلَامِ) أَيْ لِضَرُورَةِ انْقِطَاعِ الْكَلَامِ بِسَبَبِ انْقِطَاعِ النَّفَسِ أَوْ أَخْذِ السُّعَالِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (فَهُوَ وَاصِلٌ) أَيْ هُوَ فِي حُكْمِ الْوَاصِلِ حَتَّى يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ (لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ وَيَذْكُرُ الِاسْتِثْنَاءَ فِي آخِرِهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ فَكَانَ عَفْوًا.
قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَلَوْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا يَفْصِلُ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ بِأَنْ انْقَطَعَ عَنْهُ الْكَلَامُ ثُمَّ وَصَلَ، فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ فَجُعِلَ ذَلِكَ عَفْوًا، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ الْكَاكِيُّ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ؛ يَعْنِي مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى.
(وَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ ثَوْبٍ ثُمَّ جَاءَ بِثَوْبٍ مَعِيبٍ فَالْقَوْلُ لَهُ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ (لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَخْتَصُّ بِالسَّلِيمِ) فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَغْصِبُ مَا يَجِدُ مِنْ الصَّحِيحِ وَالْمَعِيبِ وَالْجَيِّدِ وَالزَّيْفِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا غَصَبَ سَوَاءٌ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ.
(وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ أَخَذْت مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ فَقَالَ) أَيْ الْمُقَرُّ لَهُ (بَلْ أَخَذْتهَا غَصْبًا فَهُوَ) أَيْ الْمُقِرُّ (ضَامِنٌ) يَعْنِي كَانَ الْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ فَالْمُقِرُّ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ يَنْكُلَ الْمُقَرُّ لَهُ عَنْ الْيَمِينِ (وَإِنْ قَالَ: أَعْطَيْتنِيهَا وَدِيعَةً فَقَالَ) أَيْ الْمُقَرُّ لَهُ (لَا بَلْ غَصَبْتنِيهَا لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ لَمْ يَضْمَنْ الْمُقِرُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَلْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ
(وَالْفَرْقُ) بَيْنَهُمَا (أَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ قَوْلُهُ: أَخَذْت مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً (أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْأَخْذُ) لِقَوْلِهِ ﷺ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» وَهَذَا يَتَنَاوَلُ رَدَّ الْعَيْنِ حَالَ بَقَائِهَا وَرَدَّ الْمِثْلِ حَالَ زَوَالِهَا لِكَوْنِ الْمِثْلِ قَائِمًا مَقَامَ الْأَصْلِ (ثُمَّ ادَّعَى) أَيْ ثُمَّ ادَّعَى الْمُقِرُّ بِقَوْلِهِ وَدِيعَةً (مَا يُبْرِئُهُ) عَنْ الضَّمَانِ (وَهُوَ الْإِذْنُ) بِالْأَخْذِ (وَالْآخَرُ) وَهُوَ الْمُقَرُّ