عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ مِنْهُ (إِلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا الزَّوْجُ)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ (أَوْ تَشْهَدَ بِوِلَادَتِهِ قَابِلَةٌ)؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَابِلَةِ فِي هَذَا مَقْبُولٌ، وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي إِقْرَارِ الْمَرْأَةِ تَفْصِيلًا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى، وَلَا بُدَّ مِنْ
(عَلَى الْغَيْرِ، وَهُوَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ مِنْهُ). قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾، (إِلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا الزَّوْجُ)، اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا يُقْبَلُ بِالْوَلَدِ، يَعْنِي: إِذَا صَدَّقَهَا الزَّوْجُ يُقْبَلُ إِقْرَارُهَا بِالْوَلَدِ؛ (لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ)، أَيْ: لِلزَّوْجِ، فَيَثْبُتُ بِتَصْدِيقِهِ، (أَوْ تَشْهَدَ بِوِلَادَتِهِ قَابِلَةٌ)، أَيْ: أَوْ إِلَّا أَنْ تَشْهَدَ قَابِلَةٌ بِوِلَادَتِهِ، أَيْ: بِتَوَلُّدِ ذَلِكَ الْوَلَدِ مِنْ تِلْكَ الْمَرْأَةِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِوِلَادَتِهَا، أَيْ: بِوِلَادَتِهَا إِيَّاهُ، فَفِي هَذِهِ النُّسْخَةِ أُضِيفَ الْمَصْدَرُ إِلَى الْفَاعِلِ وَتُرِكَ الْمَفْعُولُ، وَفِي الْأُولَى عَكْسُ الْأَمْرِ؛ (لِأَنَّ قَوْلَ الْقَابِلَةِ فِي هَذَا)، أَيْ: فِي هَذَا الْخُصُوصِ (مَقْبُولٌ)؛ إِذِ الْفَرْضُ أَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ، فَيُحْتَاجُ إِلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ، وَشَهَادَتُهَا فِي ذَلِكَ مَقْبُولَةٌ.
(وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ)، أَيْ: فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ عِنْدَ قَوْلِهِ: فَإِنَّ جَحْدَ الْوِلَادَةِ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، تَشَهَدُ بِالْوِلَادَةِ حَتَّى لَوْ نَفَاهُ الزَّوْجُ يُلَاعِنُ؛ لَأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ الْقَائِمِ، (وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي إِقْرَارِ الْمَرْأَةِ تَفْصِيلًا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى) مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَذَلِكَ التَّفْصِيلُ هُوَ أَنَّ إِقْرَارَهَا بِالْوَلَدِ إِنَّمَا لَا يَصِحُّ بِدُونِ شَهَادَةِ قَابِلَةٍ بِالْوِلَادَةِ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ ذَاتَ زَوْجٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً فَلَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ تَامَّةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀.
وَأَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ مَنْكُوحَةً وَلَا مُعْتَدَّةً قَالُوا: يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهَا بِقَوْلِهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ إِلْزَامًا عَلَى نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا.
وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِنَسَبٍ يَلْزَمُهُ فِي نَفْسِهِ، وَلَا يَحْمِلُهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِقْرَارُهُ مَقْبُولٌ، كَمَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَمَنْ أَقَرَّ بِنَسَبٍ يَحْمِلُهُ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ، كَمَا لَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ عَلَى غَيْرِهِ بِسَائِرِ الْحُقُوقِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ.
فَإِنْ قُلْتَ: لِأَيِّ مَعْنًى يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنَ الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ مَعَ أَنَّ الْوَلَدَ وُلِدَ مِنْهُمَا، وَمَا فَائِدَةُ ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنَ الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ، وَمَا فَائِدَةُ ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنَ الرَّجُلِ فِي الْأَرْبَعَةِ أَوِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ، مَعَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَقَرَّ بِالْأَخِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ يُشَارِكُهُ فِي تَرِكَةِ أَبِيهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْأَخِ الْمُقَرِّ لَهُ حَالَ حَيَاتِهِ، كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ.
قُلْتُ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْوَلَدَ مَنْسُوبٌ إِلَى الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾، وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ﴾؛ حَيْثُ أَضَافَ الْوَلَدَ إِلَى الْأَبِ بِلَامِ الْمِلْكِ، وَلِذَلِكَ اخْتُصَّ الْأَبُ بِالنَّسَبِ.
وَأَمَّا فَائِدَةُ اخْتِصَاصِ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنَ الْأَبِ فَهِيَ صِحَّةُ إِقْرَارِ الْأَبِ بِالْوَلَدِ، وَوُجُوبُ نَفَقَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْأَبِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَاصِ حَتَّى لَا يُشَارِكَهُ فِيهَا أَحَدٌ، كَمَا لَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ فِي نَسَبِهِ.
وَأَمَّا فَائِدَةُ ثُبُوتِ النَّسَبِ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ أَوِ الْخَمْسَةِ فَهِيَ ثُبُوتٌ عَلَى طَرِيقِ الْعُمُومِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْخُصُوصِ، أَيْ: أَنَّ حُقُوقَ الْمُقَرِّ لَهُ، كَمَا تَلْزَمُ عَلَى الْمُقِرِّ كَذَلِكَ تَلْزَمُ عَلَى غَيْرِ الْمُقِرِّ تَقْرِيرًا لِصِحَّةِ إِقْرَارِهِ، حَتَّى أَنَّهُ إِذَا أَقَرَّ بِالِابْنِ مَثَلًا، فَالِابْنُ الْمُقَرُّ لَهُ يَرِثُ مِنَ الْمُقَرِّ مَعَ سَائِرِ وَرَثَتِهِ، وَإِنْ جَحَدَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ ذَلِكَ، وَيَرِثُ مِنْ أَبِي الْمُقِرِّ وَهُوَ جَدُّ الْمُقَرِّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْجَدُّ يَجْحَدُ بُنُوَّتَهُ لِابْنِهِ.
وَأَمَّا فِيمَا سِوَى الْأَرْبَعَةِ أَوِ الْخَمْسَةِ، فَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ إِقْرَارُ الْمُقِرِّ بِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ فِي مَوْضِعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: عَدَمُ اعْتِبَارِ إِقْرَارِهِ فِيمَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ مِنَ الْحُقُوقِ، حَتَّى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَلَهُ وَرَثَةٌ سِوَاهُ يَجْحَدُونَ أُخُوَّتَهُ فَمَاتَ الْمُقِرُّ لَا يَرِثُ الْأَخُ مَعَ سَائِرِ وَرَثَتِهِ، وَلَا يَرِثُ مِنْ أَبِي الْمُقِرِّ وَأُمِّهِ، بِخِلَافِ مَنْ صَحَّ إِقْرَارُهُ فِي حَقِّهِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَالثَّانِي: صِحَّةُ رُجُوعِ الْمُقِرِّ عَمَّا أَقَرَّ فِي حَقٍّ مِنْ سِوَى الْأَرْبَعَةِ أَوِ الْخَمْسَةِ وَعَدَمِ صِحَّتِهِ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ؛ فَإِنَّ مَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِأَخٍ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، ثُمَّ رَجَعَ عَمَّا أَقَرَّ يَصِحُّ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ لِإِنْسَانٍ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِأَخٍ كَانَ مَالُهُ كُلُّهُ لِلْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ كَانَ إِقْرَارُهُ بِالْأَخِ وَقَعَ بَاطِلًا، فَيَصِحُّ رُجُوعُهُ عَمَّا أَقَرَّ، وَأَمَّا أَخْذُ الْأَخِ الْمُقَرِّ لَهُ تَرِكَةُ الْمُقِرِّ عِنْدَ عَدَمِ الْمُزَاحِمِ، فَلَيْسَ بِاعْتِبَارِ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ، بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ ذَلِكَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُوصِي بِجَمِيعِ الْمَالِ، وَبِاعْتِبَارِ أَنَّ إِقْرَارَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ قُلْنَا بِاسْتِحْقَاقِ الْمُقَرِّ لَهُ النَّفَقَةَ عَلَى الْمُقِرِّ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، إِلَى هَذَا كُلِّهِ أَشَارَ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلَا بُدَّ مِنْ