تَصْدِيقِ هَؤُلَاءِ، وَيَصِحُّ التَّصْدِيقُ فِي النَّسَبِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكَذَا تَصْدِيقُ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ النِّكَاحِ بَاقٍ، وَكَذَا تَصْدِيقُ الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِهَا؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ مِنْ أَحْكَامِهِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ، وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ غَسْلُهَا عِنْدَنَا، وَلَا يَصِحُّ التَّصْدِيقُ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِرْثِ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ حَالَةَ الْإِقْرَارِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالتَّصْدِيقُ يَسْتَنِدُ إِلَى أَوَّلِ الْإِقْرَارِ.
تَصْدِيقِ هَؤُلَاءِ)، أَيْ: لَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُمُ الْمَذْكُورِينَ؛ لِأَنَّهُمْ فِي أَيْدِي أَنْفُسِهِمْ فَيَتَوَقَّفُ نَفَاذُ الْإِقْرَارِ عَلَى تَصْدِيقِهِمْ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، إِلَّا إِذَا كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ صَغِيرًا فِي يَدِ الْمُقِرِّ وَهُوَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَبْدًا لَهُ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ مَوْلَاهُ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ، (وَيَصِحُّ التَّصْدِيقُ فِي النَّسَبِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ)، يَعْنِي: أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ بِالنَّسَبِ إِذَا صَدَّقَ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُقِرِّ يَصِحُّ، فَكَذَا إِذَا صَدَّقَ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ (لِأَنَّ النَّسَبَ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ)، فَيَصِحُّ تَصْدِيقُ الْمُقَرِّ لَهُ بِالنَّسَبِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ حَتَّى يَثْبُتَ بِهِ أَحْكَامُ النِّسَبِ بِأَسْرِهَا، قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِإِيجَابِ الْبَائِعِ إِذَا مَاتَ قَبْلَ قَبُولِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ تَامٌّ فِي نَفْسِهِ وَالتَّصْدِيقَ شَرْطٌ، فَكَانَ كَمَا إِذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي، ثُمَّ مَاتَ الْبَائِعُ لَا يَبْطُلُ، أَمَّا الْإِيجَابُ ثَمَّةَ فَلَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ رُكْنٌ، انْتَهَى.
(وَكَذَا تَصْدِيقُ الزَّوْجَةِ)، أَيْ: وَكَذَا يَصِحُّ تَصْدِيقُ الزَّوْجَةِ زَوْجَهَا فِي الْإِقْرَارِ بِالزَّوْجِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ الْمُقِرِّ بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا الْمَهْرُ وَالْمِيرَاثُ؛ (لِأَنَّ حُكْمَ النِّكَاحِ) وَهُوَ الْعِدَّةُ (بَاقٍ) بَعْدَ الْمَوْتِ؛ فَإِنَّ الْعِدَّةَ وَاجِبَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ، أَلَا يُرَى أَنَّهَا تُغَسِّلُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِقِيَامِ النِّكَاحِ مِنْ وَجْهٍ.
(وَكَذَا تَصْدِيقُ الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِهَا)، أَيْ: وَكَذَا يَصِحُّ تَصْدِيقُ الزَّوْجِ الْمَرْأَةَ بَعْدَ مَوْتِهَا فِي الْإِقْرَارِ بِالزَّوْجِيَّةِ فَعَلَيْهِ مَهْرُهَا وَلَهُ الْمِيرَاثُ مِنْهَا؛ (لِأَنَّ الْإِرْثَ مِنْ أَحْكَامِهِ)، أَيْ: مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ، وَهُوَ مِمَّا يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْعِدَّةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
(وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَصِحُّ) تَصْدِيقُ الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِهَا؛ (لِأَنَّ النِّكَاحَ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ)، حَتَّى يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا؛ (وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ لَهُ غَسْلُهَا) بَعْدَ مَوْتِهَا (عِنْدَنَا) وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهِ لِيَصِحَّ بِاعْتِبَارِهَا، كَمَا فِي الْعَكْسِ، (وَلَا يَصِحُّ التَّصْدِيقُ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِرْثِ) هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ يَرُدُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَقْرِيرَهُ: سَلَّمْنَا أَنَّ تَصْدِيقَ الزَّوْجِ إِيَّاهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لَا يَصِحُّ نَظَرًا إِلَى انْقِطَاعِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُغَسِّلَ زَوْجَتَهُ بَعْدَ مَوْتِهَا بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا، وَلَكِنْ لِمَ لَا يَصِحُّ تَصْدِيقُهُ إِيَّاهَا بَعْدَ مَوْتِهَا نَظَرًا إِلَى الْإِرْثِ الَّذِي هُوَ مِنْ حَقِّ آثَارِ النِّكَاحِ أَيْضًا؟ فَقَالَ: لَا يَصِحُّ التَّصْدِيقُ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِرْثِ؛ (لِأَنَّهُ)، أَيْ: لِأَنَّ الْإِرْثَ (مَعْدُومٌ حَالَةَ الْإِقْرَارِ)، أَيْ: حَالَةَ إِقْرَارِ الزَّوْجَةِ بِالنِّكَاحِ، (وَإِنَّمَا يَثْبُتُ)، أَيِ: الْإِرْثَ (بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالتَّصْدِيقُ يَسْتَنِدُ إِلَى أَوَّلِ الْإِقْرَارِ).
قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: مَعْنَاهُ أَنَّ التَّصْدِيقَ هُوَ الْمُوجِبُ لِثُبُوتِ النِّكَاحِ الْمُوجِبِ لِلْإِرْثِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ بِالْإِرْثِ، انْتَهَى.
أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا أَنَّ التَّصْدِيقَ يَسْتَنِدُ إِلَى أَوَّلِ الْإِقْرَارِ بِالنِّكَاحِ، وَالْإِرْثُ مَعْدُومٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ صِحَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute