للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ: (الصُّلْحُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: صُلْحٌ مَعَ إِقْرَارٍ، وَصُلْحٌ مَعَ سُكُوتٍ، وَهُوَ أَنْ لَا يُقِرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يُنْكِرَ، وَصُلْحٌ مَعَ إِنْكَارٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ)؛ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾، وَلِقَوْلِهِ :

مَا ذُكِرَ مِنْ حُكْمِ الصُّلْحِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ طَرْدًا وَعَكْسًا، فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: الصُّلْحُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ. . .) إِلَخْ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: الْحَصْرُ عَلَى هَذِهِ الْأَنْوَاعِ ضَرُورِيٌّ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ وَقْتَ الدَّعْوَى إِمَّا أَنْ يَسْكُتَ أَوْ يَتَكَلَّمَ مُجِيبًا وَهُوَ لَا يَخْلُو عَنِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ. لَا يُقَالُ: قَدْ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَتَّصِلُ بِمَحَلِّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ بِقَوْلِنَا: مُجِيبًا، انْتَهَى.

أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَى ظَاهِرِ جَوَابِهِ أَنَّهُ إِنَّمَا يُفِيدُ انْحِصَارَ تَقْسِيمِهِ الثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا يَخْلُو عَنِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَلَا يُفِيدُ انْحِصَارَ تَقْسِيمِهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: إِنَّ الْخَصْمَ وَقْتَ الدَّعْوَى إِمَّا أَنْ يَسْكُتَ أَوْ يَتَكَلَّمَ مُجِيبًا؛ إِذْ تَخْرُجُ صُورَةُ التَّكَلُّمِ بِمَا لَا يَتَّصِلُ بِمَحَلِّ النِّزَاعِ عَنْ قَسَمَيْهِ مَعًا، فَيَبْقَى الِاعْتِرَاضُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى قَوْلِهِ: الْحَصْرُ عَلَى هَذِهِ الْأَنْوَاعِ ضَرُورِيٌّ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالسُّكُوتِ فِي قَوْلِهِ: إِمَّا أَنْ يَسْكُتَ أَوْ يَتَكَلَّمَ مُجِيبًا، هُوَ السُّكُوتُ عَنِ التَّكَلُّمِ مُجِيبًا لَا السُّكُوتُ مُطْلَقًا وَهُوَ عَدَمُ التَّكَلُّمِ أَصْلًا، فَتَدْخُلُ الصُّورَةُ الْمَزْبُورَةُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ تَقْسِيمِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ: إِمَّا أَنْ يَسْكُتَ، فَيَصِحُّ قَوْلُهُ: الْحَصْرُ عَلَى هَذِهِ الْأَنْوَاعِ ضَرُورِيٌّ، وَتَفْسِيرُ السُّكُوتِ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ أَنْ لَا يُقِرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يُنْكِرَ لَا يَخْلُو عَنْ إِيمَاءٍ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّكُوتِ هَاهُنَا هُوَ السُّكُوتُ عَنِ الْجَوَابِ دُونَ مُطْلَقِ السُّكُوتِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى مُطْلَقِ السُّكُوتِ مَعَ كَوْنِهِ غَنِيًّا عَنِ التَّفْسِيرِ لَيْسَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ بَلْ هُوَ أَلَّا يَتَكَلَّمَ أَصْلًا.

(قَوْلُهُ: وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِإِطْلَاقِ. . .) إِلَخْ تَسَامَحَ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا فِي التَّعْبِيرِ؛ حَيْثُ قَالَ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾، مَعَ أَنَّهُ لَا يَذْهَبُ عَلَيْكَ أَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى جَوَازِ كُلِّ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ قَوْلُهُ: الْمُطْلَقُ، لَا إِطْلَاقَ قَوْلِهِ إِلَّا أَنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يَتَسَامَحُونَ فِي الْعِبَارَةِ فِي أَمْثَالِ هَذَا بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ الْمُرَادِ وَتَنْبِيهًا عَلَى فَائِدَةٍ تُفِيدُهَا تِلْكَ الْعِبَارَةُ، كَمَا فِي تَعْرِيفِهِمُ الْعِلْمَ بِحُصُولِ صُورَةِ الشَّيْءِ فِي الْعَقْلِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الصُّورَةُ الْحَاصِلَةُ فِي الْعَقْلِ عَلَى مَا حَقَّقَهُ الْفَاضِلُ الشَّرِيفُ فِي بَعْضِ تَصَانِيفِهِ.

قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي حَلِّ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى، أَيْ: لِقَوْلِهِ الْمُطْلَقِ: فَالْإِضَافَةُ مِنْ قَبِيلِ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ، انْتَهَى.

أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّ إِضَافَةَ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ لَيْسَتْ بِجَائِزَةٍ كَإِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُخْتَارُ الْمُقَرَّرُ فِي كُتُبِ النَّحْوِ، حَتَّى أَنَّهُمْ أَوَّلُوا مِثْلَ: جُرْدُ قَطِيفَةٍ، وَأَخْلَاقُ ثِيَابٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>