للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الصُّلْحَ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَقْرَبِ الْعُقُودِ إِلَيْهِ وَأَشْبَهِهَا بِهِ احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ تَصَرُّفِ الْعَاقِدِ مَا أَمْكَنَ

قَالَ: (وَيَصِحُّ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ﴾، الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ، حَتَّى أَنَّ مَا صَلَحَ مُسَمًّى فِيهِ صَلَحَ هَاهُنَا إِذْ كُلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ إِلَّا أَنَّ عِنْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ هُنَا يُصَارُ إِلَى الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا مُوجَبُ الدَّمِ. وَلَوْ صَالَحَ عَلَى خَمْرٍ لَا يَجِبُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِمُطْلَقِ الْعَفْوِ.

بِخِدْمَةِ عَبْدٍ سَنَةً وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلْثِ مَالِهِ فَصَالَحَهُ الْوَارِثُ مِنِ الْخِدْمَةِ عَلَى دَرَاهِمَ جَازَ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ آخَرَ يَجُوزُ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى رُكُوبِ دَابَّةٍ شَهْرًا، وَلُبْسِ ثَوْبٍ شَهْرًا فَهُوَ جَائِزٌ، انْتَهَى مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ؛ فَإِنَّ مَدْلُولَهُمَا جَوَازُ الصُّلْحِ عَنِ الْمَنْفَعَةِ وَإِنِ اتَّحَدَ جِنْسُ الْمَنْفَعَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ جُوِّزَ فِيهِمَا مُصَالَحَةُ الْوَارِثِ عَنْ خِدْمَةِ عَبْدٍ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ آخَرَ، وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُعْتَبَرَاتِ عَدَمُ جَوَازِ الصُّلْحِ عِنْدَ اتِّحَادِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ.

قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: فَإِنْ كَانَ الْمَنْفَعَتَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، كَمَا إِذَا صَالَحَ مِنْ سُكْنَى دَارٍ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَتَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا، وَمَوْضِعُ الْمَسْأَلَةِ كِتَابُ الْإِجَارَاتِ، وَإِذَا اعْتُبِرَ الصُّلْحُ عَلَى الْمَنَافِعِ إِجَارَةً يَصِحُّ بِمَا يَصِحُّ بِهِ الْإِجَارَاتُ، وَيَفْسُدُ بِمَا يَفْسُدُ بِهِ، انْتَهَى.

وَقَالَ فِي التَّبْيِينِ: إِنَّمَا يَجُوزُ عَنِ الْمَنَافِعِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ إِذَا كَانَتَا مُخْتَلِفَتَيِ الْجِنْسِ، وَإِنْ كَانَتَا مُتَّفِقَتَيْنِ بِأَنْ يُصَالِحَ عَنِ السُّكْنَى عَلَى السُّكْنَى، أَوْ عَنِ الزِّرَاعَةِ عَلَى الزِّرَاعَةِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا فَكَذَا الصُّلْحُ. وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا بِالْمَنْفَعَةِ فَكَذَا الصُّلْحُ، انْتَهَى إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُعْتَبَرَاتِ، فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الصُّلْحَ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَقْرَبِ الْعُقُودِ إِلَيْهِ وَأَشْبَهَهَا بِهِ احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ مَا أَمْكَنَ).

أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قَدْ يَقَعُ الصُّلْحُ عَلَى مُجَرَّدِ تَرْكِ الدَّعْوَى مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَيَجُوزُ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَإِمْكَانُ حَمْلِ مِثْلِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْعُقُودِ غَيْرُ ظَاهِرٍ سِيَّمَا إِذَا وَقَعَ عَلَى تَرْكِ دَعْوَى جِنَايَةِ الْعُمَدِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ حَتَّى أَنَّ مَا صَلَحَ مُسَمَّى فِيهِ صُلْحٌ هَاهُنَا؛ إِذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>