للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي النِّكَاحِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْفَصْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ الْمُوجَبُ الْأَصْلِيُّ، وَيَجِبُ مَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ حُكْمًا، وَيَدْخُلُ فِي إِطْلَاقِ جَوَابِ الْكِتَابِ الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ حَقِ الشُّفْعَةِ عَلَى مَالٍ حَيْثُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ، وَلَا حَقَّ فِي الْمَحَلِّ قَبْلَ التَّمَلُّكِ.

وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَمِلْكُ الْمَحَلِّ فِي حَقِّ الْفِعْلِ فَيَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ وَالسُّكُوتِ، وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ بِمَنْزِلَةِ حَقِ الشُّفْعَةِ حَتَّى لَا يَجِبَ الْمَالُ بِالصُّلْحِ عَنْهُ، غَيْرَ أَنَّ فِي بُطْلَانِ الْكَفَالَةِ رِوَايَتَيْنِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.

قَالَ الشُّرَّاحُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: إِنَّ مَا صَالَحَ مُسَمَّى فِيهِ صُلْحٌ هَاهُنَا، وَلَا يَنْعَكِسُ هَذَا، أَيْ: لَا يُقَالُ: كُلُّ مَا يَصْلُحُ بَدَلًا فِي الصُّلْحِ يَصْلُحُ مُسَمًّى فِي النِّكَاحِ؛ فَإِنَّ هَذَا الْعَكْسَ غَيْرُ لَازِمٍ وَلَا مُلْتَزَمٍ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى أَقَلِّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ مَا دُونُ الْعَشْرَةِ صَدَاقًا، وَلِأَنَّهُ لَوْ صَالَحَ مَنْ عَلَيْهِ الْقَصَاصَ عَلَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْ قَصَاصٍ لَهُ عَلَى آخَرَ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحِ الْعَفْوُ عَنِ الْقَصَاصِ صَدَاقًا؛ لِأَنَّ كَوْنَ الصَّدَاقِ مَالًا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾، وَبَدَلُ الصُّلْحِ فِي الْقَصَاصِ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَيُكْتَفَى بِكَوْنِ الْعِوَضِ فِيهِ مُتَقَوَّمًا، وَالْقَصَاصُ مُتَقَوَّمٌ حَتَّى صَلَحَ الْمَالُ عِوَضًا عَنْهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عِوَضًا عَنْ قَصَاصٍ آخَرَ، انْتَهَى كَلَامُهُمْ.

أَقُولُ: هُنَا إِشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ بَدَلُ الصُّلْحِ فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالْعَفْوِ عَنِ الْقَصَاصِ لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ؛ إِذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ فِي صُورَةِ أَنْ صَالَحَ مَنْ صَالَحَ مَنْ عَلَيْهِ الْقَصَاصُ عَلَى الْعَفْوِ عَنْ قَصَاصٍ لَهُ عَلَى آخَرَ لَيْسَ بِمُبَادَلَةِ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ بَلْ هُوَ هُنَاكَ مُبَادَلَةُ غَيْرِ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ، كَمَا لَا يَخْفَى.

وَقَالَ الشُّرَّاحُ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: حَتَّى أَنَّ مَا صَلَحَ مُسَمَّى فِيهِ صُلْحٌ هَاهُنَا، فَلَوْ صَالَحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى سُكْنَى دَارٍ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ سَنَةً جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَعْلُومَةَ صَلَحَتْ صَدَاقًا فَكَذَا بَدَلًا فِي الصُّلْحِ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبَدًا

<<  <  ج: ص:  >  >>