قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ عَنْ دَعْوَى حَدِّ) لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَا حَقُّهُ، وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ حَقِّ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ إِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ نَسَبَ وَلَدِهَا؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْوَلَدِ لَا حَقُّهَا، وَكَذَا لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَمَّا أَشْرَعَهُ إِلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَامَّةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالَحَ وَاحِدٌ عَلَى الِانْفِرَادِ عَنْهُ؛ وَيَدْخُلُ فِي إِطْلَاقِ الْجَوَابِ حَدُّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ الشَّرْعِ.
قَالَ: (وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا وَهِيَ تَجْحَدُ فَصَالَحَتْهُ عَلَى مَالٍ بَذَلَتْهُ حَتَّى يَتْرُكَ الدَّعْوَى جَازَ، وَكَانَ فِي مَعْنَى الْخُلْعِ)؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ خُلْعًا فِي جَانِبِهِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ، وَفِي جَانِبِهَا بَدَلًا لِلْمَالِ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ. قَالُوا: وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا كَانَ مُبْطِلًا فِي دَعْوَاهُ.
قَالَ (وَإِذَا ادَّعَتِ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ نِكَاحًا فَصَالَحَهَا عَلَى مَالٍ بَذَلَهُ لَهَا جَازَ) قَالَ ﵁: هَكَذَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ، وَفِي بَعْضِهَا قَالَ: لَمْ يَجُزْ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنْ يَجْعَلَ زِيَادَةً فِي مَهْرِهَا. وَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ بَذَلَ لَهَا الْمَالَ لِتَتْرُكَ الدَّعْوَى
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ حَقِّهِ وَأَسْقَطَ بَاقِيَهُ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ أَيْضًا فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ جِنَايَةِ الْخَطَأِ إِذَا كَانَ عَلَى أَحَدِ مَقَادِيرُ الدِّيَةَ مُطْلَقًا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِأَحَدٍ مِنْهَا بِعَيْنِهِ أَوْ كَانَ عَلَى جِنْسِ مَا قَضَى الْقَاضِي بِهِ بَعْدَ أَنْ قَضَى بِأَحَدِ مَقَادِيرِهَا بِعَيْنِهِ كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ فَلَمْ يَتِمَّ إِطْلَاقُ قَوْلِهِ: فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ، فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنْ يَجْعَلَ زِيَادَةً فِي مَهْرِهَا)، أَيْ: أَنْ يَجْعَلَ كَأَنَّهُ زَادَ فِي مَهْرِهَا، ثُمَّ خَالَعَهَا عَلَى أَصْلِ الْمَهْرِ دُونَ الزِّيَادَةِ، فَسَقَطَ الْأَصْلُ دُونَ الزِّيَادَةِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَكَثِيرٍ مِنَ الشُّرُوحِ.
قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَفِيهِ نَظَرُ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي دَعْوَاهَا النِّكَاحُ وَصُلْحُ الرَّجُلِ عَنْهُ عَلَى مَالٍ، وَالصُّلْحُ عَنْ نِكَاحٍ عَلَى مَالٍ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِ النِّكَاحِ بِمَالٍ، فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ، اهـ.
أَقُولُ: هَذَا كَلَامٌ خَالٍ عَنِ التَّحْصِيلِ، فَإِنَّ كَوْنَ الصُّلْحِ عَنِ النِّكَاحِ عَلَى مَالٍ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِ النِّكَاحِ بِمَالٍ لَا يُنَافِي كَوْنَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ، بَلْ يَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ النِّكَاحِ بِلَا فُرْقَةٍ مِمَّا لَا يُتَصَوَّرُ شَرْعًا، فَلَا بُدَّ أَنْ يَجْعَلَ تَرْكَ النِّكَاحِ بِمَالٍ فُرْقَةً بِبَدَلٍ وَهِيَ الْخُلْعُ، وَلَمَّا جُعِلَ خُلْعًا سَقَطَ أَصْلُ الْمَهْرِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُجْعَلَ مَا بَذَلَهُ لَهَا زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ، وَهَذَا وَجْهٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute