وَالْأَدَاءُ لَا يَصِحُّ عِوَضًا لِكَوْنِهِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَجَرَى وُجُودُهُ مَجْرَى عَدَمِهِ فَبَقِيَ الْإِبْرَاءُ مُطْلَقًا فَلَا يَعُودُ كَمَا إِذَا بَدَأَ بِالْإِبْرَاءِ.
وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا إِبْرَاءٌ مُقَيَّدٌ بِالشَّرْطِ فَيَفُوتُ بِفَوَاتِهِ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِأَدَاءِ الْخَمْسِمِائَةِ فِي الْغَدِ وَأَنَّهُ يَصْلُحُ غَرَضًا حِذَارَ إِفْلَاسِهِ وَتَوَسُّلًا إِلَى تِجَارَةٍ أَرْبَحَ مِنْهُ، وَكَلِمَةً عَلَى إِنْ كَانَتْ لِلْمُعَاوَضَةِ فَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِلشَّرْطِ لِوُجُودِ مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ فِيهِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَمْلِ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ أَوْ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ،
بِهَذَا، فَالْمَعْنَى: حَيْثُ ذَكَرَ أَدَاءَ الْخَمْسِمِائَةِ بِمُقَابَلَةِ كَلِمَةِ عَلَى الَّتِي لِلْمُعَاوَضَةِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى مَا تَمَحَّلَ بِهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِهِ: حَيْثُ ذَكَرَهُ بِكَلِمَةِ عَلَى حَيْثُ، قَالَ: أَيْ: فِي الْمَعْنَى، وَإِلَّا فَفِي اللَّفْظِ دَخَلَ كَلِمَةُ عَلَى فِي الْإِبْرَاءِ دُونَ الْأَدَاءِ، انْتَهَى.
فَكَأَنَّهُ حَمَلَ الْبَاءَ عَلَى الْإِلْصَاقِ فَأَخَذَ مِنْهُ الدُّخُولُ فِي الْأَدَاءِ فَاحْتَاجَ إِلَى التَّكَلُّفِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ مَنْدُوحَةٌ عَنْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَالْأَدَاءُ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا لِكَوْنِهِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ).
قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِهِ: وَالْأَدَاءُ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا؛ لِأَنَّ حَدَّ الْمُعَاوَضَةِ أَنْ يَسْتَفِيدَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا، وَالْأَدَاءُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لَمْ يَسْتَفِدْ بِهِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ، انْتَهَى.
وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَوْلَهُ: وَالْأَدَاءُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لَمْ يَسْتَفِدْ بِهِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ؛ حَيْثُ قَالَ فِيهِ شَيْءٌ بَلْ يُسْتَفَادُ بِهِ الْبَرَاءَةَ.
أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَفِدْ بِالْأَدَاءِ شَيْءٌ فِي جَانِبِ الدَّائِنِ، وَالْبَرَاءَةُ إِنَّمَا تُسْتَفَادُ فِي جَانِبِ الْمَدْيُونِ، وَحَدُّ الْمُعَاوَضَةِ أَنْ يَسْتَفِيدَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا، فَإِذَا لَمْ يُسْتَفَدْ فِي جَانِبِ الدَّائِنِ شَيْءٌ لَمْ يَتَحَقَّقْ حَدُّ الْمُعَاوَضَةِ، فَتَمَّ الْمَطْلُوبُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ). قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: "قَوْلُهُ: أَوْ"؛ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِوُجُودِ الْمُقَابَلَةِ، يَعْنِي: أَنَّ حَمْلَ كَلِمَةِ "عَلَى: عَلَى الشَّرْطِ لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ: إِمَّا لِوُجُودِ الْمُقَابَلَةِ، وَإِمَّا لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الشَّرْطِ فِي الصُّلْحِ مُتَعَارَفٌ.
أَقُولُ: فِيهِ نَظَرَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الثَّانِي لَا يَكُونُ عِلَّةً لِحَمْلِ كَلِمَةِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute