للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَغْرِيرِ الْآمِرِ حَيْثُ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ فِيهِ عَزْلَ نَفْسِهِ وَلَا يَمْلِكُهُ عَلَى مَا قِيلَ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ،

الْآمِرِ وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ (يُؤَدِّي إلَى تَعْزِيرِ الْآمِرِ حَيْثُ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ) وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ (وَلِأَنَّ فِيهِ) أَيْ فِي اشْتِرَائِهِ لِنَفْسِهِ (عَزْلَ نَفْسِهِ) عَنْ الْوَكَالَةِ (وَلَا يَمْلِكُهُ عَلَى مَا قِيلَ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ)؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ عَقْدٍ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِ عِلْمِ صَاحِبِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ.

أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَزْلِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ يَحْصُلُ بِأَسْبَابِ مُتَعَدِّدَةٍ: مِنْهَا حُضُورُ صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا بَعْثُ الْكِتَابِ وَوُصُولُهُ إلَيْهِ، وَمِنْهَا إرْسَالُ الرَّسُولِ إلَيْهِ وَتَبْلِيغُهُ الرِّسَالَةَ إيَّاهُ، وَمِنْهَا إخْبَارُ وَاحِدٍ عَدْلٍ أَوْ اثْنَيْنِ غَيْرِ عَدْلَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِخْبَارُ وَاحِدٍ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ سِيَّمَا فِي الْبَدَائِعِ. فَاشْتِرَاطُ عِلْمِ الْآخَرِ فِي صِحَّةِ فَسْخِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْعَقْدَ الْقَائِمَ بَيْنَهُمَا لَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَكِيلُ عَزْلَ نَفْسِهِ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ سَبَبِ وَاحِدٍ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ سَائِرِ الْأَسْبَابِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى انْتِفَاءِ سَائِرِ أَسْبَابِ الْعِلْمِ بِالْعَزْلِ أَيْضًا، لَكِنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ مِنْ عِبَارَاتِ الْكُتُبِ أَصْلًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السِّرُّ فِي إقْحَامِ الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ عَلَى مَا قِيلَ الْإِيمَاءُ إلَى ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ.

وَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ قَالَ فِي بَيَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ، وَإِذَا اشْتَرَى يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ عَزْلٌ لِنَفْسِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ، كَمَا لَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْهُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعِهِ وَهُوَ فَصْلُ مَا يَخْرُجُ بِهِ الْوَكِيلُ عَنْ الْوَكَالَةِ أَنَّ الْوَكِيلَ يَخْرُجُ مِنْ الْوَكَالَةِ بِأَشْيَائِهِ: مِنْهَا عَزْلُ الْمُوَكِّلِ إيَّاهُ وَنَهْيُهُ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِلْفَسْخِ بِالْعَزْلِ وَالنَّهْيِ.

وَلِصِحَّةِ الْعَزْلِ شَرْطَانِ: أَحَدُهُمَا: عِلْمُ الْوَكِيلِ بِأَنَّ الْعَزْلَ فَسْخٌ فَلَا يَلْزَمُ حُكْمُهُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْفَسْخِ، فَإِذَا عَزَلَهُ وَهُوَ حَاضِرٌ انْعَزَلَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ غَائِبًا فَكَتَبَ إلَيْهِ كِتَابَ الْعَزْلِ فَبَلَغَهُ الْكِتَابُ وَعَلِمَ مَا فِيهِ مِنْ الْعَزْلِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ مِنْ الْغَائِبِ كَالْخِطَابِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا فَبَلَغَ الرِّسَالَةَ وَقَالَ: إنَّ فُلَانًا أَرْسَلَنِي إلَيْك يَقُولُ إنِّي عَزَلْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ كَائِنًا مَنْ كَانَ الرَّسُولُ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا بَعْدَ أَنْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُرْسِلِ وَسَفِيرٌ عَنْهُ فَتَصِحُّ سِفَارَتُهُ بَعْدَ أَنْ صَحَّتْ عِبَارَتُهُ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ، وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ كِتَابًا وَلَا أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا وَلَكِنْ أَخْبَرَهُ بِالْعَزْلِ رَجُلَانِ عَدْلَانِ كَانَا أَوْ غَيْرُ عَدْلَيْنِ أَوْ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ يَنْعَزِلُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْوَكِيلُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ إذَا ظَهَرَ صِدْقُ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ مَقْبُولٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا فَخَبَرُ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدْلِ أَوْلَى. وَإِنْ أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ غَيْرُ عَدْلٍ، فَإِنْ صَدَّقَهُ يَنْعَزِلُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَا يَنْعَزِلُ، وَإِنْ ظَهَرَ صِدْقُ الْخَبَرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَهُمَا يَنْعَزِلُ إذَا ظَهَرَ صِدْقُ الْخَبَرِ وَإِنْ كَذَّبَهُ إلَى هُنَا كَلَامُهُ.

أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ بَيْنَ كَلَامَيْهِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ تَدَافُعًا، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ مَا يَخْرُجُ بِهِ الْوَكِيلُ عَنْ الْوَكَالَةِ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ عَزْلِ الْمُوَكِّلِ الْوَكِيلَ بِشَرْطِ عِلْمِ الْوَكِيلِ سَوَاءٌ عَزَلَهُ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ أَوْ عَزَلَهُ بِغَيْبَتِهِ مِنْهُ، وَلَكِنَّ عِلْمَ الْعَزْلِ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابٍ شَتَّى عَلَى مَا فَصَّلَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ قَوْلِهِ كَمَا لَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى حَصْرِ صِحَّةِ عَزْلِ الْمُوَكِّلِ لِلْوَكِيلِ فِي صُورَةِ إنْ عَزَلَهُ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ كَمَا تَرَى. وَالْعَجَبُ أَنَّهُ أَحَالَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ. قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا إذَا نَكَحَهَا مِنْ نَفْسِهِ بِمِثْلِ الْمَهْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>