فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِعَقْدِهِ وَالِاسْتِيفَاءِ بِالْمُقَاصَّةِ بَيْنَ ثَمَنِهِ وَبَيْنَ الدَّيْنِ
السُّؤَالُ إِلَّا أَنَّهُ مُنَافٍ لِمَا تَقَرَّرَ آنِفًا مِنْ أَنَّ لِصَاحِبِهِ حَقَّ الْمُشَارَكَةِ فِي الْمَقْبُوضِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ فِي تَعْلِيلِهِ: لِأَنَّ الْعَيْنَ غَيْرُ الدَّيْنِ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا قَبَضَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ غَيْرَ مَا اشْتَرَكَا فِيهِ لَا عَيْنُهُ، وَلَمَّا قَالَ: وَقَدْ قَبَضَهُ بَدَلًا عَنْ حَقِّهِ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا قَبَضَهُ لَيْسَ بَدَلًا عَنِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ عَيْنَ ذَلِكَ بَلْ هُوَ بَدَلٌ عَنْ حِصَّةِ الْقَابِضِ فَقَطْ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَثْبُتَ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ فِي الْمَقْبُوضِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ عَيْنُ مَا اشْتَرَكَا فِيهِ، وَلَا بَدَلًا عَنْهُ فَتَأَمَّلْ.
ثُمَّ إِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِ: وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الثَّوْبِ، فِي جَوَابِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بِأَنْ قَالَ: لِأَنَّ الصُّلْحَ وَقْعَ عَلَى نِصْفِ الدَّيْنِ وَهُوَ مُشَاعٌ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ حَالَ كَوْنِهِ فِي الذِّمَّةِ لَا تَصِحُّ، وَحَقُّ الشَّرِكَةِ مُتَعَلِّقٌ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنَ الدَّيْنِ فَصَارَ عِوَضُ الثَّوْبِ نَصْفُهُ مِنْ حَقِّهِ، فَوَقَفَ عَلَى إِجَازَتِهِ، وَأَخْذِهِ النِّصْفَ دَلَالَةً عَلَى إِجَازَةِ الْعَقْدِ فَصَحَّ ذَلِكَ وَجَازَ، فَإِنَّ ضَمِنَ لَهُ شَرِيكُهُ رُبُعَ الدَّيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الثَّوْبِ سَبِيلٌ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الدَّيْنِ، انْتَهَى. فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مَا قَبَضَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الدَّيْنِ بَدَلًا مِنْ حَقِّهِمَا مَعًا لَا مِنْ حَقِّ الْقَابِضِ فَقَطْ.
(قَوْلُهُ: وَالِاسْتِيفَاءُ بِالْمُقَاصَّةِ بَيْنَ ثَمَنِهِ وَبَيْنَ الدَّيْنِ). هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: هَبْ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِعَقْدِهِ وَلَكِنْ كَانَ عَقْدُهُ بِبَعْضِ دَيْنٍ مُشْتَرَكٍ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فِي الْمَقْبُوضِ فَكَيْفَ تَقُولُونَ: لَا سَبِيلَ لِلشَّرِيكِ عَلَى الثَّوْبِ فِي الْبَيْعِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لَمْ يَقَعْ بِمَا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَلْ بِمَا يَخُصُّهُ مِنَ الثَّمَنِ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ؛ إِذِ الْبَيْعُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، وَالْإِضَافَةُ إِلَى الْغَرِيمِ مِنْ نَصِيبِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَا تُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النُّقُودَ عَيْنًا كَانَتْ أَوْ دَيْنًا لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ. كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ.
قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بَعْدَ ذَلِكَ: فَإِنْ قِيلَ: فِي هَذَا الْجَوَابِ وُرُودُ سُؤَالٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلِ الْقَبْضِ لَا تَصِحُّ فِي الْمُقَاصَّةِ بِدَيْنٍ خَاصٍّ يَلْزَمُ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ. قُلْنَا: قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ إِنَّمَا لَا تَجُوزُ قَصْدًا، أَمَّا ضَمُّنَا فَجَائِزٌ، وَهَاهُنَا وَقَعَتْ قِسْمَةُ الدَّيْنِ فِي ضِمْنِ صِحَّةِ الشِّرَاءِ، كَمَا وَقَعَتْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي ضِمْنِ صِحَّةِ الْمُصَالَحَةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدِ اقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ تَقْرِيرِ السُّؤَالِ الْمُقَدَّرِ وَجَوَابِ الْمُصَنِّفِ عَنْهُ: وَإِذَا ظَهَرَتِ الْمُقَاصَّةُ انْدَفَعَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا لَزِمَتْ فِي ضِمْنِ الْمُعَاقَدَةِ، فَلَا مُعْتَبِرَ بِهَا، انْتَهَى. أَقُولُ: فِي تَحْرِيرِ قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ قُصُورٌ، فَإِنَّهُ فَرَّعَ انْدِفَاعَ تَوَهُّمِ قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى ظُهُورِ الْمُقَاصَّةِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ التَّوَهُّمَ إِنَّمَا نَشَأَ مِنَ الْمُقَاصَّةِ؛ إِذْ لَوْ لَمْ تَتَحَقَّقِ الْمُقَاصَّةُ لَلَزِمَ الِاشْتِرَاكُ فِي الثَّوْبِ الْمَقْبُوضِ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِيمَا أُضِيفَ إِلَيْهِ الْعَقْدُ مِنْ بَعْضِ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ، فَلَا تُتَوَهَّمُ الْقِسْمَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَصْلًا، وَلِهَذَا فَرَّعَ غَيْرُهُ وُرُودَ السُّؤَالِ بِلُزُومِ الْقِسْمَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى تَحَقُّقِ الْمُقَاصَّةِ. ثُمَّ أَقُولُ: لَا احْتِيَاجَ عِنْدِي هَاهُنَا إِلَى التَّشَبُّثِ بِجَوَازِ الْقِسْمَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ ضِمْنًا؛ إِذْ لَا وَجْهَ لِلتَّوَهُّمِ الْمَذْكُورِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ سَبِيلٌ عَلَى الثَّوْبِ فِي الْبَيْعِ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ اسْتِيفَاءِ الشَّرِيكِ الْقَابِضِ فِي الْبَيْعِ بِالْمُقَاصَّةِ كَانَ لَهُ سَبِيلٌ عَلَى مَا اسْتَوْفَاهُ مِنَ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ بِالْمُقَاصَّةِ؛ حَيْثُ كَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ نِصْفَهُ وَهُوَ رُبْعُ الدَّيْنِ، فَلَا مَجَالَ لِتَوَهُّمِ قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، ضَرُورَةَ أَنْ لَا سَبِيلَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا اسْتَوْفَاهُ الْآخَرُ بَعْدَ وُقُوعِ الْقِسْمَةِ. لَا يُقَالُ: تِلْكَ الضَّرُورَةُ فِي الْقِسْمَةِ الْقَصْدِيَّةِ دُونَ الضِّمْنِيَّةِ، وَالْمُتَوَهُّمُ هَاهُنَا مُطْلَقُ قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْمَصِيرِ إِلَى أَنْ يُقَالَ: قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ قَصْدًا غَيْرُ لَازِمَةٍ، وَأَمَّا ضِمْنًا فَلَازِمَةٌ، وَلَكِنَّهَا جَائِزَةٌ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute