وَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَتْبَعَ الْغَرِيمَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ذِمَّتِهِ بَاقٍ لِأَنَّ الْقَابِضَ اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ حَقِيقَةً لَكِنَّ لَهُ حَقَ الْمُشَارَكَةِ فَلَهُ أَنْ لَا يُشَارِكَهُ، فَلَوْ سَلَّمَ لَهُ مَا قَبَضَ ثُمَّ تَوَى مَا عَلَى الْغَرِيمِ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْقَابِضَ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالتَّسْلِيمِ لِيُسَلِّمَ لَهُ مَا فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ وَلَمْ يُسَلِّمْ، وَلَوْ وَقَعَتِ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ الشَّرِيكُ لِأَنَّهُ قَاضٍ بِنَصِيبِهِ لَا مُقْتَضٍ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ نَصِيبِهِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ وَلَيْسَ بِقَبْضٍ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنِ الْبَعْضِ كَانَتْ قِسْمَةُ الْبَاقِي عَلَى مَا بَقِيَ مِنَ السِّهَامِ، وَلَوْ أَخَّرَ أَحَدَهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ صَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا بِالْإِبْرَاءِ الْمُطْلَقِ،
لِأَنَّا نَقُولُ: تِلْكَ الضَّرُورَةُ ثَابِتَةٌ قَطْعًا فِي الْقِسْمَةِ الصَّحِيحَةِ بَعْدَ أَنْ وَقَعَتْ، سَوَاءٌ كَانَتْ قَصْدِيَّةً أَوْ ضِمْنِيَّةً، فَلَوْ سَلَّمَ وُقُوعَ قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ ضِمْنًا هَاهُنَا وَاعْتَرَفَ بِصِحَّتِهَا لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ سَبِيلٌ عَلَى مَا اسْتَوْفَاهُ الْقَابِضُ مِنَ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ بِالْمُقَاصَّةِ أَيْضًا، فَلَزِمَ أَنْ لَا يُضَمِّنَهُ رُبْعَ الدَّيْنِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ ذَلِكَ، فَالْمَسْلَكُ الصَّحِيحُ أَنْ لَا يُسَلِّمَ لُزُومَ قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا قَصْدًا وَلَا ضِمْنًا، كَمَا قَرَّرْنَاهُ.
(قَوْلُهُ: وَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَتْبَعَ الْغَرِيمَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ذِمَّتِهِ بَاقٍ؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ حَقِيقَةً لَكِنَّ لَهُ حَقَّ الْمُشَارَكَةِ فَلَهُ أَنْ لَا يُشَارِكَهُ).
أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ حَقَّ الشَّرِيكِ السَّاكِتِ بَاقِيًا فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ وَكَانَ مَا اسْتَوْفَاهُ الْقَابِضُ نَصِيبُ نَفْسِهِ حَقِيقَةً كَانَ ثُبُوتُ حَقِّ الْمُشَارَكَةِ لِلسَّاكِتِ فِيمَا اسْتَوْفَاهُ الْقَابِضُ مُشْكِلًا غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى. ثُمَّ إِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهَا فِي صَدْرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنَ الْأَصْلِ الصَّحِيحِ الْمُبَرْهَنِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُقَالَ: الْأَصْلُ هُنَا أَنَّ الدَّيْنَ الْمُشْتَرَكَ الَّذِي يَثْبُتُ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ لِلشَّرِيكَيْنِ إِذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْهُ فَالْمَقْبُوضُ مِنَ النَّصِيبَيْنِ؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا لَكُنَّا قَدْ قَسَّمْنَا الدَّيْنَ حَالَ كَوْنِهِ فِي الذِّمَّةِ، وَقِسْمَةُ الدَّيْنِ حَالَ كَوْنِهِ فِي الذِّمَّةِ لَا تَجُوزُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ أَنَّ الْقِسْمَةَ تَمْيِيزُ الْحُقُوقِ، وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى فِيمَا فِي الذِّمَّةِ، وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّ كُلََّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُقْتَسِمِينَ يَأْخُذُ نِصْفَ حَقِّهِ وَيَأْخُذُ الْبَاقِي عِوَضًا عَمَّا لَهُ فِي يَدِ الْآخَرِ، وَتَمْلِيكُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ فِي ذِمَّتِهِ لَا يَجُوزُ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ مِنَ الْحَقَّيْنِ جَمِيعًا فَكَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْمَقْبُوضِ بِعَيْنِهِ، انْتَهَى فَتَأَمَّلْ.
قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، فَلَهُ أَنْ لَا يُشَارِكَهُ لِئَلَّا يَنْقَلِبَ مَا لَهُ مَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ خَلْفٌ بَاطِلٌ.
أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَثْبُتَ لَهُ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ أَصْلًا بَلْ يَتَعَيَّنُ لَهُ عَدَمُ الْمُشَارَكَةِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لُزُومًا وَبُطْلَانًا.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ وَقَعَتِ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ الشَّرِيكُ؛ لِأَنَّهُ قَاضٍ بِنَصِيبِهِ لَا مُقْتَصَّ).
أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي هَذِهِ الْمُقَاصَّةِ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَذَا لَا يَجُوزُ، وَلَيْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute