وَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا عَيْنًا مِنْهُ أَوِ اشْتَرَاهَا شِرَاءً فَاسِدًا وَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَهُوَ قَبْضٌ وَالِاسْتِئْجَارُ بِنَصِيبِهِ قَبْضٌ،
هَاهُنَا عَقْدٌ حَتَّى تَجُوزَ فِي ضِمْنِهِ، كَمَا قَالُوا فِي صُورَةِ الْبَيْعِ: اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تَجْعَلَ نَفْسَ الْمُقَاصَّةِ نَوْعَ عَقْدٍ أَوْ شَبِيهَ عَقْدٍ، وَتَجُوزُ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي ضِمْنِهَا أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ). قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: وَقَالَا: يَلْزَمُ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِامْتِيَازِ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ عَنِ الْآخَرِ بِاتِّصَافِ أَحَدِهِمَا بِالْحُلُولِ وَالْآخِرِ بِالتَّأْخِيرِ، وَقِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ، وَذَلِكَ لَا يَتَمَيَّزُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بِتَأْخِيرِ الْبَعْضِ هَلْ يَتَمَيَّزُ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ عَنِ الْآخَرِ أَوْ لَا؟ فَإِنْ تَمَيَّزَ بَطَلَ قَوْلُكُمْ، وَذَلِكَ لَا يَتَمَيَّزُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ بَطَلَ قَوْلُكُمْ لِامْتِيَازِ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ عَنِ الْآخَرِ بِكَذَا وَكَذَا.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّ تَأْخِيرَ الْبَعْضِ فِيهِ يَسْتَلْزِمُ التَّمْيِيزَ بِذِكْرِ مَا يُوجِبُهُ فِيمَا يَسْتَحِيلُ ذَلِكَ فِيهِ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: لِامْتِيَازِ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ، لِاسْتِلْزَامِ التَّأْخِيرِ الِامْتِيَازَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ جَوَّزُوا إِبْرَاءَ أَحَدِهِمَا عَنْ نَصِيبِهِ، وَذِكْرُ الْإِبْرَاءِ يُوجِبُ التَّمْيِيزَ بِكَوْنِ بَعْضِهِ مَطْلُوبًا وَبَعْضِهِ لَا فِيمَا يَسْتَحِيلُ فِيهِ ذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَقْتَضِي وُجُودَ النَّصِيبَيْنِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي صُورَةِ الْإِبْرَاءِ بِمَوْجُودٍ فَلَا قِسْمَةَ. إِلَى هُنَا كَلَامُهُ.
أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ الثَّانِي بِحْثٌ لِأَنَّ عَدَمَ تَحَقُّقِ الْقِسْمَةِ فِي صُورَةِ الْإِبْرَاءِ بِسَبَبِ عَدَمِ تَحَقُّقِ مُقْتَضَاهَا لَا يَدْفَعُ السُّؤَالَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ نَقْضُ مَا ذُكِرَ فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ ذِكْرَ مَا يُوجِبُ التَّمْيِيزَ يَتَحَقَّقُ فِي صُورَةِ الْإِبْرَاءِ أَيْضًا، فَلَوِ اسْتَلْزَمَ مُجَرَّدَ ذَلِكَ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي صُورَةِ التَّأْخِيرِ لَاسْتَلْزَمَهَا فِي صُورَةِ الْإِبْرَاءِ أَيْضًا، وَأَمَّا عَدَمُ تَحَقُّقِ الْقِسْمَةِ بِسَبَبِ تَخَلُّفِ مُقْتَضَاهَا فَأَمْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ كَمَا تَقْتَضِي وُجُودَ النَّصِيبَيْنِ كَذَلِكَ تَقْتَضِي كَوْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ النَّصِيبَيْنِ قَابِلًا لِلتَّمْيِيزِ عَنِ الْآخَرِ، وَتَمْيِيزُ بَعْضِ الدَّيْنِ عَنْ بَعْضٍّ غَيْرُ مُتَصَوِّرٍ، فَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute